إذا قال أحد بأن الشعب السعودي له خصوصيته، فهو محق تماما، لذا فقد خسر البعض رهانهم خسرانا مبينا حينما راهنوا على خلاف ذلك، متوهمين أن ما يجري على بعض شعوب الأرض من الممكن أن يجري على شعب هذه البلاد المصونة من كيد الغرباء والمغرضين،
والسر يكمن في أن أبناء هذا الوطن يقدمون في سائر أحوالهم الدين على الدنيا، لأنهم أصحاب عقيدة ثابتة مهما قست بهم الأحوال، وبما أنهم يجعلون رضا الله نصب أعينهم فإنهم يرون بأن الأجدر بهم أن يتبعوا جميع تعاليمه التي من ضمن أولوياتها : توقير العلماء، وطاعة أولي الأمر، الذي جعله الإسلام من الأهمية بحيث يأتي بعد طاعة الخالق سبحانه القائل : { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم }، والإسلام الحكيم حينما دعا إلى هذه النوعية من الطاعة لم يكن يريد مجاملة الحاكم، إنما هو يريد الخير بالمحكومين، لأنه يعلم أي شر سيحيق بالرعية وأوطانها ومقدّراتها في حال الخروج على ولي الأمر، والنماذج القديمة والجديدة ليست عن الذاكرة الجمعية ببعيدة.
ثم إن هناك أمرا جللا يأتي بعد العقيدة في الأهمية لدى أهل هذه البلاد المحافظة كأشد ما يكون الحفاظ وهو أمر(العِرض)، الذي يحرص عليه العربي الأصيل ابن هذه الصحراء المحصّنة من عبث العابثين، ويفديه بكل غالٍ ونفيس، وهذا شأن عظيم تجاهله المراهنون على قلقلة هذا الوطن الأشم في نجده و حجازه وكافة أجزائه، متناسين أن العربي يحيا ويموت في سبيل حماية عرضه، والحفاظ على الشرف والدين يتنافيان مع الفتن والقلاقل، التي أول حطبها العقيدة والأعراض ثم سلب الأوطان ومقدّراتها الاقتصادية، فلا يتبقى بعد ذلك شيء من الكرامة لصاحب الأرض، هذا إذا بقيت حياته، فيضحي ابن الوطن بعد ذلك غريبا ذليلا في موطنه.
ثم إن أبناء الجزيرة العربية وبناتها يعلمون حق العلم بأن هذه الجزيرة المترامية تحوي قبائل متعددة، وأجناس متنوعة، وطوائف متباينة، وعائلات عديدة ذات أصول عريقة مختلفة، والكل يرى أنه الأفضل من سواه والأجدر بألا يتقدم عليه أحد أو يقوده غيره، لذا فلن يسلّم إلا بقيادة من أجمع عليه الجميع، وتصالحوا منذ أمد طويل على قيادته، واستقرت عليه الأمور، وهو ابن سعود، مادام قائما بأمر الدين وصلاح الدنيا، ومن الصعب جدا إجماع الجميع على قبول غيره، فالبديل المقترح غير مطروح أساسا وغير مقنع، ولا يمكن التضحية بالموجود الأصلح في سبيل المغامرة مع المجهول غير المقنع وغير المطمئن، فكيف الحال إذا كان المرجفون أفرادا أو جماعات يحرضون من مكان بعيد مريب، ويريدون أن يسيروا إلى التغيير فوق أعناق مبتورة بريئة!
أما النتيجة الإيجابية الآن لهذا الالتحام بين الحاكم والمحكوم، هي كما لخصها سمو النائب الثاني الذي يقود أمن الوطن، حينما قال بعد خيبة رجاء أعداء البلاد : ( اليوم سعد المليك بشعبه الوفي، وغدا يسعد الشعب بمليكه المحب )، فقد حقق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين آمال وطموحات مواطنيه بالإصلاحات المعنوية والمادية من دينية ودنيوية، وقد كان فرح الجميع بالمعطيات الدينية أكثر بكثير من المعطيات الدنيوية رغم جزالتها وشموليتها وأهميتها، ألم أقل لكم: بأن شعبنا يرى أن العقيدة وتعاليمها هي أولى أولوياته ثم يأتي كل شيء بعدها ؟.