مثلما توصف اليابان بأنها بلد المُعجزة الاقتصادية توصف أيضاً بأنها بلد الكوارث والمصائب. فخلال السنوات المائة الماضية وحدها تعرضت لثلاثة كوارث عظيمة وعدد كبير من الكوارث الصغيرة. أتت الكارثة الأولى في عام 1923م حيث تعرضت لزلزال وتسونامي غمر مدينة طوكيو وعدة مدنُ أخرى، وقضى على مئة ألف شخص، ولكن أعاد اليابانيون بناء وطنهم في وقت قياسي، وحولوا الذكرى السنوية لهذه الكارثة إلى يوم للوقاية من الكوارث. ثم تعرضت اليابان خلال الحرب العالمية الثانية لكارثة بشرية قضت على أربعة ملايين ياباني، ودمار هائل طال كل شيء قابل للتدمير، إضافة إلى قُنبلتين نوويتين محتا مدينتي هيروشيما وناجازاكي وأخضعتا اليابان للاستسلام غير المشروط. ومع ذلك نهضت اليابان بسرعة وكفاءة أذهلت العالم فخلع على اليابان لقب (المُعجزة الاقتصادية اليابانية). أما الكارثة الثالثة فهي زلزال وتسونامي الشهر الحالي، وما سببه من أضرار في أربعة مفاعلات نووية خرجت عن السيطرة وأصبحت تُهدد اليابانيين والعالم بأمواج قاتلة من الإشعاع النووي، حتى أن حاكم مدينة طوكيو خرج عن الرصانة اليابانية المعهودة ووصف هذه الكارثة في مؤتمر صحفي بأنها عقاب إلهي، وأضاف: «أعتقد أن السياسة اليابانية ملوثة بالأنانية، ونحن بحاجة إلى تسونامي ليجرف تلك النزعة التي ترسخت في العقلية اليابانية على مدى فترة طويلة من الزمن.» فهل ستنهض اليابان من جديد؟. تسبب التتابع بين التدمير والتعمير عبر التاريخ الياباني في صبغ الشخصية اليابانية بميزة المرونة والقابلية للخروج من الأنقاض وإعادة البناء دون خور أو تذمر resilience . بل إنه حتى في الظروف العادية يعمل اليابانيون على تدمير مبانيهم وإعادة بنائها خلال فترات استهلاك قصيرة جداً مقارنة بالبلاد الأخرى. فالمباني المكتبية مثلاً يُعاد هدمها وبناؤها بمعل خمس وعشرون سنة، مقابل خمسين سنة في أوروبا. لهذا السبب يُراهن المُراقبون على أن اليابان ستلعق جراحها وتُعيد بناء ما دمرته الكارثة الحالية خلال فترة قصيرة، وبدأت آثار هذا الرهان المتفائل تنعكس على سعر الين الياباني المتصاعد مقابل الدولار والعملات الأخرى، في حين أنه في الدول الأخرى التي تتعرض لكوارث مماثلة تنخفض قيمة عملتها الوطنية بُعَيد الكارثة بسبب المُراهنة على الصعوبات الكبيرة التي سيواجهها الاقتصاد. لهذا السبب ستنهض اليابان سريعاً من كبوتها، لاسيما وأن لدى اليابان واحدة من أكبر قطاعات الإنشاءات في العالم إضافة إلى توفر التمويل. أما العقبات والصعوبات المُحتملة فمن أهمها تأثر الصادرات اليابانية بارتفاع الين والتلوث بالإشعاع النووي، وضعف الاقتصاد الياباني الكلي.