في رحلة إعلامية لمنطقة جازان تنظمها الهيئة العامة للسياحة والآثار هي العاشرة من نوعها، التقى أعضاء القافلة في مساء اليوم الثاني لانطلاقتها بصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز، أمير المنطقة في لقاء مصارحة ومكاشفة.
قلت للأمير بأنني عرفت جازان على لسان عمي الذي عاش في هذه المنطقة وعمل فيها قبل أربعة عقود، وكان انطباعه الذي لم يمل من تكراره أن أرض المنطقة خصبة وسماؤها ممطرة وآبارها غنية، ولو أحسن استغلالها لتحولت إلى سلة غلال لا لبلادنا فحسب، ولكن ل(الجزيرة) العربية كلها. ولكننا ونحن نزور المنطقة مدنا وقرى، جبالا وأدوية، برا وجزرا لم نلحظ حسن استثمار لهذه الكنز العظيم. فالأراضي الزراعية قاحلة مهملة.. وحتى جبل فيفا لم يكن بالاخضرار الذي توحي به الصور.
قلت إن في جازان أربع ثروات عظيمة: الأعظم هي الثروة البشرية التي أنتجت روادا ومبدعين في كل المجالات ولو وجدوا الفرص في منطقتهم لأثروها كم أثروا بقية المناطق، والأمل في استيعابهم لم يتحقق بعد في المشاريع الجديدة كالمدينة الاقتصادية، والميناء الذي تم تطويره والاستثمارات المأمولة في القطاعات المنتجة والخدمات. والثروة الزراعية التي تعاني من الإهمال وتحتاج إلى شركات زراعية تجمع الفدادين المتفرقة فتستثمرها وتسوق منتجاتها، مع التركيز على المحاصيل الإستراتيجية كالقمح والبذور أكثر من الفواكه والزهور. والثروة السمكية ومشكلتها في طمع أو جهل المستغلين لها.. فإما استهلاك زائد يهدد الثروة بالنضوب أو استخدام محظور لمواد تدمر الأعشاب المرجانية وعمرها ملايين السنين، وتعتبر الأجمل في أجمل وأغنى البحار، البحر الأحمر. والثروة الرابعة هي السياحية، وقد شهدنا غناها وتنوعها من طبيعة ساحرة وجزر حالمة وآثار عمرها آلاف السنين، ولكن إن لم تتوافر البنى التحتية والخدمات الأساسية فلن يتحقق الإقبال الذي تستحقه مفاتن المنطقة. وأقترح أن تنشأ مجالس مشتركة بين القطاعين الخاص والعام لتطوير متوازٍ ومتكامل، بدلا من أن يجتهد كل قطاع بدون توفيق أجندته مع أجندة الآخر وأولوياته.
كان الأمير صريحا وشفافا في إجاباته. احتفى بالمشاريع والإنجازات التي تحققت خاصة بعد الزيارة الملكية الأخيرة. فقد تم إنشاء جامعة تضم خمسين ألف طالب وطالبة، وتطوير ميناء حديث، وإقامة مدينة اقتصادية متكاملة، وإنشاء مشاريع في مجالات عديدة كالمواصلات والصحة والكهرباء والماء.. إضافة إلى مشاريع استثمارية هامة كمصفاة النفط ومصنع الحديد والصلب وكلها على وشك الانتهاء. والأمل كبير في تحقيق المزيد من هذه المشاريع خاصة في مجال شبكات الطرق والخدمات الصحية والتعليمية، وإيصالها إلى كافة المواقع السياحية والسكانية والزراعية التي تحتاجها.
ثم عبر سموه عن خيبة أمل في حجم مشاركة القطاع الخاص واقتناص الفرص المتاحة. فالميناء مثلا مهيأ ليكون محطة تصدير رئيسية لليمن وأفريقيا، وقد توفرت للمستثمرين كافة التسهيلات التي طلبوها وأكثر وعرضت عليهم وعلى الغرف التجارية وآخرها في جدة.. ولكن للأسف فما زالت الحديدة وجيبوتي وأسمرة وغيرها تتلقى الصادرات السعودية عبر دبي لا جازان. والأمر نفسه ينطبق على الاستثمارات في المجال السياحي، ففرسان التي يصل عدد جزرها التي يمكن استثمارها إلى حوالي المائتي جزيرة لم ينشأ فيها غير منتجع واحد منذ خمس سنوات، ورغم احتياج المنطقة إلى أضعاف السعة الفندقية إلا أنها تعاني دائما وخاصة في المواسم السياحية من أزمة خانقة.
خرجنا من مجلس الأمير لنواصل جولتنا ونحن أكثر تفاؤلا وثقة بمستقبل أفضل.. وأملا في المزيد من التنمية لمنطقة من أثرى مناطق المملكة في الموارد البشرية والطبيعية. وللحديث بقية.