الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وسلطانه، والصلاة والسلام على النبي المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فلقد كان يوم الجمعة الموافق 13-4-1432هـ يوما مشهودا في تاريخ مملكتنا الغالية، مملكة الخير، قبلة المسلمين، ومهبط أفئدة العالمين، يوم الجمعة هو يوم عيد الأسبوع كما جاء في الحديث عن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، ويوم الجمعة الماضي كان عيداً لنا نحن شعب المملكة العربية السعودية، حين أطل علينا قائد مسيرتنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله وسدد خطاه- بتلك الأوامر الملكية التاريخية، التي نستنبط منها غيرته - أيده الله - على ديننا وعلمائنا، وحمايته لحمى الشريعة، وحوزة الدين، والذب عن كل عالم وفقيه، فلله دره من ملك، ودام لنا قائداً ونصيراً .
لقد كان علماؤنا الربانيين في الفترة الماضية نشطين في كل ساعة، وفي كلّ مكان، وبكلّ وسيلةٍ.. بطيب منطقهم، وصفاء مُنطلقِهم، ووضوح سبيلهم الذي يأخذ عقل الشباب بتدرُّجٍ يجعله يعي ما لم يعِ قبلاً، ويردّ خطاه عن طريق الردى والانزلاق فيما عاث بأمن الأُمم السابقة، ولا غرو في ذلك، فهم علماء بلاد الحرمين الشريفين، يدينون الله عز وجل في ذلك، ويرون هذه القيادة المؤمنة التي حملت لواء الإسلام، وأعلت راية الإيمان، وأحاطت حمى الدين بسياج متين، فجاءت الأوامر الملكية متوافقة مع رؤاهم وتطلعاتهم، فجاء الأمر بضبط حقول الإعلام الفكرية؛ دفعًا لها عن الإساءة إليهم - من قريبٍ أو بعيد، بتصريحٍ أو همزٍ ولمز -؛ لأنّ الإعلامَ بات قائدًا ضمنيًّا لأي حِراكٍ اجتماعيٍّ أو ثقافيٍّ أو سياسيٍّ، ويتصل بذلك أيضًا دعم جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فلا غنى للمجتمع عن حراسته للفضيلة بالأساليب المحببة اللطيفة؛ حيث الحاجة ماسة إلى ضبط مناشط الفساد التي تنخر في بعض الأماكن؛ سعيًا إلى النيل من حُرمة المواطن وأمنه وكرامته واستقامته باسم الحرية الشخصية أو غيرها مما لا يرتضيه الله ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
ويندرج في هذا الأمر الكريم دعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم، التي كانت مرمى لهجماتٍ متتاليةٍ، كانت تسعى إلى قطع الصلة الوثقى بيننا وبين القرآن الكريم؛ كي نضِلّ ونشقى في انكسارات هذا العالم المُوحِش دون ضياء القرآن وطمأنينته! وقد جاء هذا الدعم مُتوَّجًا بأنّ المتابعة الدقيقة لأنشطة جمعيات تحفيظ القرآن أثبتت خلوّها من أيّ ثغراتٍ أو صلاتٍ بعقائد الإرهاب والفِتن والتطرُّف والفُرقة؛ فهي حصنٌ من حصون أهل هذا الوطن الكريم، تُخرِّج - بإذن الله - مَن سيكونون درعًا حصينًا من دروع الوطن في مؤسساته وهيئاته التي تقوم على إصلاح الشأن، وتعميق الإيمان، والتمسّك بركائز الإسلام الصافية من الانحرافات والتضليل والجهالات .
ثم رأينا اهتمامه - أيده الله - بالفتوى، الفتوى التي هي توقيعٌ عن رب العالمين، حين أحسّ - أيده الله - بتطاول البعض على ذلك المنصب العظيم، فجاء قراره الكريم بإنشاء فروع للرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء في كل منطقة من مناطق المملكة، وإحداث ثلاثمائة وظيفة لهذا الغرض، واعتماد مبلغ مائتي مليون ريال، وذلك لتلبية احتياجات هذه الفروع، ولا يخفى ما في هذا الأمر من خير عظيم، وفقه في السياسة الشرعية وما سار عليه سلفنا الصالح، إضافة إلى تكريس دور المؤسسات الشرعية وخصوصاً مؤسسات الفتوى لتكون البديل المأمون لسد احتياجات الناس في المسائل الشرعية، وقطع الطريق على أصحاب الأهواء وضعيفي الديانة قليلي العلم في فتنة الناس في أمور دينهم .
كما أن في الأمر بإنشاء مجمع فقهي؛ ( المجمع الفقهي السعودي) ليكون مُلتقى علمياً تُناقَشُ فيه القضايا والمسائل الفقهية، تحت إشراف هيئة كبار العُلماء، أمرٌ سيسطره التاريخ لخادم الحرمين الشريفين، وسيبقى تاريخًا ناصعًا لهذه الدولة المباركة، دولة العلم والعلماء، دولة الفقه والفقهاء، حيث سيتم من خلال هذا المجمع استقطاب العديد من كفاءاتنا الشرعية المؤهلة، وإتاحة الفرصة لهم لتقديم أطروحاتهم العلمية ومناقشتها، وإبداء الرأي حيالها، بقرارات علمية رصينة، تراعي ثوابتنا الشرعية، في أفق المبادئ العلمية، والأسس المنهجية لهيئة كبار العُلماء، بما يتيح مستقبلًا اختيار المُبَرِّزين من بينهم لمناصب علمية أعلى، ويخفف العبء على أعمال هيئة كبار العُلماء لتتفرغ لمهامها بالتصدي للمسائل والقضايا الكبار، وكذا تخفيف العبء على أعمال اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء لتتفرغ لمهامها بالنظر في الفروع الفقهية المتعلقة بأسئلة المستفتين.
نسأل الله عز وجل أن يحفظ قادتنا وبلادنا وأمننا واستقرارنا من كل سوء، وأن يجعلنا وإياهم حماة لدين الإسلام، نصرةً لعباد الله الموحدين، وأن يرد كيد الأعداء، والله من وراء القصد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم...
أستاذ الفقه بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم