|
بيروت- الجزيرة :
بعدما كان مقصداً شعبياً بات العالم العربي مقصداً عالمياً من كل النواحي خاصة الإعلامية، بتوجهات شبه عادية إذ عمدت العديد من الدول لفتح قنوات إعلامية مختلفة مطبوعات إذاعات وتلفزيونات ناطقة باللغة العربية في خطوة (غير بريئة) لحوار المباشر مع جمهور عريض يفوق بتعداده أكثر من 300 مليون نسمة على امتداد العالم العربي، هذا غير المغتربات ودول الانتشار التي يفوق عدد سكانها العرب من مواطنهم. وتختلف توجهات كل سياسة من محطة الى أخرى، إلا أن أخطرها ما يثير النعرات السياسية والتحضيرية والطائفية والعنصرية، وزيادة في الانشقاق العربي من خلال تلك القنوات عبر بث أضاليل وروايات مختلفة ليست عن لسان المعارضين بقدر ما هي خطة تتبعها الحكومات الممولة لتلك المحطات.
وقد شهدت الفترة الأخيرة تحولات عدة في السياسة الواضحة لمحطات تلفزة موجودة في لبنان تابعة للحكومة الإيرانية بشكل مباشر مثل «قناة العالم» وبشكل غير مباشر مثل قناة «المنار» التابعة لمليشيا حزب الله وقناة «NBN» التابعة لميليشيا أمل التي يرأسها نبيه بري. بالإضافة الى بعض الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة مثل جريدة العهد وإذاعة النور.
التحولات السياسة اختلفت باختلاف الأحداث التي طرأت على العديد من الدول العربية. وهي على النحو التالي:
قناة «العالم» التلفزيونية
قناة العالم هي قناة فضائية إيرانية إخبارية ناطقة باللغة العربية تأسست في العام 2002 وتزامن البث المباشر للقناة مع بداية الحرب على العراق في مارس 2003 فشهد العالم العربي ولادة تلفزيون «العالم» الذي يتبع عملياً لمؤسسة التلفزيون والراديو والسينما الإيرانية المرتبطة بعلاقة مباشرة مع مرشد الثورة وليس الحكومة. إلا أن العلاقة المباشرة مع المحطة تتم من خلال وزارة الخارجية الإيرانية كون الدولة هي المشرف الفعلي عليها كون مقرها الأساسي في طهران ولديها مكتب إقليمي في بيروت، وبالتالي فإن التمويل يتم من الدولة الإيرانية مباشرة.
ويرى البعض في إيران أن دولتهم ليست بحاجة إلى قناة إضافية تروج لسياساتها، لذا يتم اعتماد سقف من الحرية في التعاطي مع أي حدث لا يختلف كثيراً عن باقي الفضائيات العربية المتخصصة.
بعد سنوات قليلة من بث «قناة العالم» على قمر «نايل سات» و»العرب سات» توقف البث من القمر الصناعي وحسب مصادر مصرية أن الفترة التعاقدية مع القمر الصناعي انتهت، إلا أن مصارد مقربة من القناة الإيرانية الناطقة باللغة العربية كشفت أن في الأمر أسبابا أخرى هي عملية بث المغالطات والسموم والنعرات بين الشعوب العربية ذات الأكثرية الإسلامية، لفك الوحدة والتحريض على المذهبية، ومحاولة إثارة النعرات الطائفية
إزاء هذا الواقع ما كان من الإدارة المشرفة على قمر «عرب سات» إلا توجيه رسالة إلى «قناة العالم» الإيرانية لتوضح الأسباب العملية التي أدت إلى إيقاف بث المحطة، كونها تخطت المحظور بإساءتها، بعد تلقيها شكاوى من شخصيات ومؤسسات عربية تتهم المحطة ببث برامج وأخبار «تتعارض مع الأخلاقيات الدينية والسياسية».
ولا يقتصر الاهتمام الإيراني بالتوجه الإعلامي إلى العالم العربي من خلال قناة أو أكثر بل من خلال العديد من الوسائل الأخرى ومنها قناة الكوثر وراديو ظهران بالإضافة إلى «قناة سحر Press TV» بالإضافة إلى قناة الفرات في العراق، والتي دخلت بشكل مباشر لتغطية أي فراغ أو ثغرة قد تغفل عنها القنوات الأخرى، أو لمحاصرة المشاهد العربي في أكثر من قناة.
قناة «المنار»
انطلقت «الشركة اللبنانية مجموعة وسائل الإعلام» أو «قناة «المنار» اللبنانية أرضياً في العام 1991 في منطقة الهرمل في البقاع اللبنانية وفضائياً في العام 2000 بالتزامن مع تحرير جنوب لبنان، ولم يخجل القيمون على هذه المؤسسة من توجههم السياسي بحيث كان شعارهم أنها «قناة المقاومة والتحرير».
و تبث قناة «المنار» الفضائية من عدة أقمار فضائية كما هو الحال بالنسبة لقناة «برس تي في». وبينما يبدو ظاهرياً أن قناة «Press TV» تتشابه في برامجها مع محطتي «bbc» و «cnn» وغيرها من الشبكات الفضائية الدولية، تظهر برامج قناة «المنار» أكثر صراحة في تأييدها لنشاطات ميليشيا حزب الله.
ويقول المسؤولون عن المحطة كما أن تمويل قناة «المنار» هو ذاتي من خلال الإعلانات والبرامج الدعائية، لكن الأمر مغاير للواقع الإعلامي المعروف بتمويلات من المساهمين من حزب الله ومن الداعمين لمؤسساته ومن مصادر خارجية، فيما تعتبر «المنار» ورقة ضغط على السياسة الداخلية والخارجية، فمنذ انطلاقتها لم تحصل على الترخيص السريع في ظل القانون الإعلامي في تلك المرحلة والتي قسمت الإعلام اللبناني على المسؤولين حصصاً للهواء. فما كان من «حزب الله» إلا أن اتبع سياسة الضغط الخارجي من خلال الأقرب إلى المسؤولين اللبنانيين عبر الخط السوري حيث تدخل وقتها الرئيس الراحل حافظ الأسد لمنح المنار ترخيص البث ضمن إستراتيجية عمل بدأت في 18 سبتمبر عام 1996، لتتحول إلى محطة تغطي كل الأراضي اللبنانية.
أما السياسة التمويلية التي توسعت في المحطة فإن الصيغة العامة كانت من خلال «المال القذر» أو من خلال المؤسسات التابعة لحزب الله والتي تجمع مساهمات مالية كبيرة إن كان في لبنان أو في الخارج، وأيضاً من خلال المؤسسات التجارية التي تصب في معظمها في النطاق المهني والعملي لتأمين كل حاجات الحزب الحياتية والتعليمية والتربوية والأهم الإعلامية.
وفي معلومات مؤكدة من أكثر من جهة فإن قناة المنار تلقى مساهمة مالية سنوية من إيران تصل إلى سبعة ملايين دولار سنوياً أي ما يقارب نصف ميزانيتها السنوية التي تفوق 15 مليون دولار، إلا أي من الجهات الإعلامية تنكر هذه الوقائع لأن لا دليل مادي أو وثائق أو حتى تحويلات تؤكد أيا من الأخبار المنتشرة، مع التأكيد من خلال الميزانيات الداخلية أن المحطة لا تتلقى أموالا من أي حكومة بل تسير بشكل كامل وفق القانون الإعلامي اللبناني الذي يحظر المحطات اللبنانية من الحصول المباشر على التمويل من حكومات أجنبية بشكل مباشر أيضاً. إلا أن إيرادات الإعلانية السنوية تصل إلى حدود المليوني دولار سنوياً.
تلفزيون «NBN»
تلفزيون «NBN» محطة لبنانية تابعة وليست بشكل مباشر وبملكية خاصة لقائد ميليشيا حركة أمل نبيه بري بل بشكل غير مباشر من خلال أشخاص إما أقارب أو شركاء، إلا أن حركة «أمل» التي أسسها صاحبة اسمهم في المحطة، بالإضافة إلى أسماء وشخصيات لبنانية وعربية، وبينهم الكويتي ناصر الخرافي، الذي ساهم في التلفزيون كشريك، لكن القانون اللبناني لا يسمح بتملك الأجنبي لمؤسسات لبنانية، كما أن قانون الإعلام المرئي والمسموع لا يسمح للفرد أو جهة معنوية بامتلاك أكثر من 10 بالمئة. لهذا كان لا بد من إيجاد مخرج قانوني لدخوله، فمن خلال مفاوضات توصل الشركاء إلى صيغة بأن يكون ضمن شركة لا تخالف الأنظمة والقوانين اللبنانية وتملك أسهما بشكل متوازن في توزيع الحصص. بالإضافة إلى شخصيات مساهمة منهم النائب السابق عصام فارس والنائي محمد الصفدي والسيد جيلبير شاغوري، وأيضا مجموعة مقربة من الرئيس نبيه بري وحركة أمل تملك حصة، بالإضافة إلى مساهمين من رجال الأعمال يملكون حصصاً قليلة.
أما التمويل يقول المسؤولون في التلفزيون إن التمويل ليس سوى مردودات الإعلانات، مع العلم أن سوق الإعلان في لبنان يمر بفترة صعبة على الصعيدين اللبناني والعربي. إلا أن التمويل غير المباشر يتم من خلال القنوات العملية للشركاء وأصحاب الأسهم، بالإضافة إلى الدعم الإيراني غير المباشر، من ضمن ميزانية الدعم الخارجي الذي ترسله إيران بأسلوب مساعدات إلى الموالين لها.
ظاهرياً يرفض القيمون على المحطة صبغة التحريض باعتماد سياسة المراقبة الذاتية، أما واقعاً فيختلف الأمر من خلال البرامج الحوارية والنقاشات ونشرات الأخبار التي تعتمد على التقارب بين المحطات الإعلامية الأخرى خاصة الإيرانية التي تبدو كأنها تقوم بنشر بيان تختلف قراءته من محطة إلى أخرى.
وفي مسمى آخر «محطات المعارضة» تجد الدعم المباشر من جهات إيرانية أو موالية لإيران أو حتى جهات مذهبية خالصة، علماً أن الشركاء في محطة «NBN» ليسوا كلهم من الطائفة الشيعية الكريمة بل من مختلف الطوائف إلا أن الصيغة الأساسية كانت بغطاء المعارض، والمعارضة الإعلامية في لبنان تتبع لجهات سياسية خارجية بشكل مباشر عبر قنوات خاصة ومنها «إيران».