خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز شخصية ملأ السمع والبصر، عبق أريجها الطيب وعم أركان العالم وفاح، فهو حكيم الأمة المذكور بالخير والصلاح والفكر المنير والحكمة وبعد النظر في كل المجالس، والموصوف بصفات التبجيل والتعظيم في كل المنابر، أحبه مواطنوه حتى خالط حبه اللحم والعظم وجرى مع الدماء، وعظم في عيون قادة العالم وشعوبها حتى أحنوا له رؤوسهم تعظيماً وإجلالاً.
لقد تم اختيار الملك عبدالله عدة مرات كأهم شخصية في العالم، وتأتي أهمية هذا الاختيار من أنه جاء من جهات خارجية، فلو أنه كان من منبر داخلي فلربما شكك البعض في مصداقيته وقالوا إنما كان انحيازاً لمليكهم وأنها شهادة مجروحة، ولكن كون الاختيار أتى من منابر أجنبية يؤكد صدق الاختيار خصوصاً مع ما عرف عن مواقف الغرب من الإسلام والمسلمين، فلا شك كونه زعيماً إسلامياً حظوظه في المنافسة تكون ضعيفة جداً ولكن شخصية الملك عبدالله بقوتها وسموقها وأثرها العظيم فرضت عليهم اختيارها فرضاً وألزمتهم به إلزاماً فهي أنصع من أن يعشى عنها بصر، وأكبر من أن يتخطاها متخط، وأعظم من أن يتجاهلها منحاز أو صاحب غرض، فنور هذه الشخصية قد عم الآفاق، وأثرها فرد جناحيه فوق الأقطار، وصوتها مسموع في كل منبر وناد.
وما أكد اختيار الملك عبدالله لهذه المكانة بل فرضه أن آثره ليس في جانب واحد من الجوانب أو وجهة واحدة من الجهات، ولكنه وضع بصمته واضحة في كثير من أوجه الحياة ومناحيها.
ففي السياسة أصبح الملك عبدالله قامة تتقاصر دونها القامات، وصوتاً عالياً دونه الأصوات، فهو الرأي الصائب، والقرار الراجح، والنظرة الثاقبة، والبصيرة النافذة، وهو الإرادة التي لا تلين، والإصرار الذي لا تثنيه الصعاب، ولا ترده العوائق.
وفي الاقتصاد هو الربان الماهر الذي قاد سفينة اقتصاد بلاده في بحر لجي متلاطم الأمواج أثناء الأزمة الاقتصادية العالمية ووصل بها إلى (جودي) الأمان بطريقة أذهلت العالم وكسبت احترامه، ولم يكتف خادم الحرمين بقيادة سفينة بلاده وحدها، ولكنه عمل جاهداً على رمي أطواق النجاح لدول العالم الأخرى، ومد يد العون مادياً وفكرياً ليساهم في إخراج العالم من هذه الأزمة المدمرة، وكانت دعوته لحضور مؤتمر العشرين ممثلاً للدول العربية والإسلامية اعترافاً بهذا الدور العظيم وعرفاناً بأياديه البيضاء في هذا المجال.
وفي النواحي الإنسانية له أياد لا تنكر وعطاء لا يخفى ومبادرات أثارت العجب كما أثارت الإعجاب وأكدت أنه ملك الإنسانية حقاً، فما أن يصاب إخوة الإسلام أو إخوة العروبة أو إخوة الإنسانية بمصيبة أو يفجعوا بفاجعة إلا كان قلبه أول قلب يهتز لتلك المأساة ويتأثر بها، وإلا كانت يده أول يد تمتد للمصابين والمنكوبين تأويهم وتسد رمقهم وتداوي جراحهم وتعوضهم عما اكتسحته سيول المصيبة أو أغرقته أمواج الكارثة.
فالملك عبدالله كما أنه عالمي بفكره وعقله هو كذلك عالمي بقلبه الذي يقطر رقة وعطفاً كما أنه عالمي بنفسه التي تفيض إنسانية ورحمة، فاختلاله لتلك المكانة العالمية السامية ليس صدفة، ولا ضربة لازب، ولكنها نتائج لمقدمات، وحصاد لزرع طيب زرع بذرته.
قلنا إنه تعهد بذرة وحصاد غرس الذي بلغ بالملك عبدالله تلك المكانة العالية، فليس صدفة أو فلتة أن يصبح أحد من الناس من عظماء الساسة أو من أفذاذ القادة ذلك أن أحدهم لا ينال تلك إلى المكانة العالية ويرتقي تلك الدرجة السامية إلا لأنه يملك مواهب متفردة، وقدرات متميزة تجعله يسبق الآخرين، ويبذ المنافسين، ويتقدم الصفوف، ويعتلي بخطوات دونها خطوات المجدين مراقي تنقطع لها نفوس الرجال، هذا بجانب العزيمة والإصرار، والنظرة الثاقبة، وتحديد الهدف بدقة، يحدو كل ذلك نفس وثابة للخير، لا ترضى إلا بالسامي من الأمور، ولا تركن لسفاسفها، والملك عبدالله في مقدمة أولئك الأفذاذ الذين ارتفعت بهم مواهبهم المتفردة، وسمت بهم قدراتهم المتميزة فنافس وسبق واحتل تلك المكانة العالمية الرفيعة وأصبح زعيماً يشار إليه بالبنان، تسمع كلمته ويؤخذ برأيه ويقدم في المنتديات.
وقد يتعجب متعجب ما لنا نكتب عن مكانة الملك عبدالله العالمية في هذه الأيام الطيبة وهي أيام إنجازات داخلية عملاقة، وعطاءات ملكية لشعبه كريمة جزيلة، خصوصاً بعد عودته -حفظه الله- سالماً معافى بعد الوعكة التي تعرض لها، ونحن نقول ليس في الأمر عجب، فاختياره ذلك دليل على تلمسه حاجات شعبه وسهره ليل نهار من أجل تحقيقها.
فالجهات التي اختارت خادم الحرمين الشريفين كأهم شخصية كان نظرها على إنجازاته الداخلية، كما كان نظرها على ما حققه في مجال حقوق الإنسان ودعمه للسلام والأمن والاستقرار عالمياً، ومبادراته السلمية وحوار الحضارات والأديان..إلخ.
فإن تلك الجهات في هذا الزمن الذي أصبح فيه الصوت الذي يتحدث عن حقوق الإنسان هو الصوت الأعلى، تجد حرجاً شديداً لو اختارت لهذا المنصب الرفيع ملكاً أو رئيساً لا يحترم تلك الحقوق أو لم يسع حثيثاً لحفظها والتقدم بها إلى الأمام.
وقد حقق الملك عبدالله في سنوات حكمه الطيبة إنجازات مشهودة وخطا خطوات محمودة في طريق حفظ حقوق الإنسان، والإعلاء من شأنها توفير الحياة الكريمة لشعبه، فلا يكاد يبرد دفء عطاء، حتى تهب نسائمه المترعة بالخير بعطاء آخر لا يصغر عن سابقه حجماً بل يكبره ولا يقل عن متقدمه أهمية بل يفوقه فعطاؤه لا ينقطع، وفيض هباته لا يصبح غيضاً ولا يفتقد، وإن من أعظم ما في عطاء أبي متعب أنه لا ينتظر حتى يُسأل أو يطلب منه، ولكنه يعطي ابتداراً وسخاوة نفس وأريحية سمحة.
إن الكتابة عن الملك عبدالله ممتعة وصعبة في الوقت نفسه أما أنها ممتعة فلأن خادم الحرمين شخصية حبيبة إلى النفس قريبة من الوجدان، ولا شك أن ذكر من تحب يبهج القلب ويريح النفس ويجعلك تعيش لحظات من السعادة الصادقة، وأما كون الكتابة عنه صعبة فلأن الرجل شخصية سامقة عالية باسقة تتقاصر عنها الكلمات مهما تطاولت، وتعجز الجمل عن إيفائها حقها مهما تجاسرت.
وهناك شيء آخر -بجانب المتعة والصعوبة- في الكتابة عن حكيم الأمة وهو أنه لا أحد يجرؤ أن يتهمك جهراً أو سراً بالنفاق، ذلك أنه في وطننا العربي ما أن يكتب كاتب عن شخصية ذات مكانة سامية أو مرتبة عالية إلا وغمز بالنفاق أو قيل عنه أنه يتقرب لتلك الشخصية زلفى لغرض أو تحقيق مصلحة، أما في حالة خادم الحرمين الملك عبدالله فإنه لا أحد يجرؤ على ذلك فإن شعبه وأمته مجمعة على تفرد عطائه كما هم مجمعون على حبه ولن يستكثروا عليه كلمات هي بالتأكيد دون حقه، كما أن مواقفه الطيبة المباركة وعطاءاته المتعددة ومشاريعه الإنسانية الضخمة ستلقم كل من يجرؤ على ذلك حجراً يخرس صوته النشاز.
إذا كان ما يستطيع أن يقوله من يقرأ ما كتبنا عن الملك عبدالله إننا لم نوفه حقه، وهي تهمة سنتقاضى عنها، لأننا لن نكون فيها وحدنا، ولكن سيتهم بها كل من كتب وسيكتب عنه لأنه كما قلنا تعجز الكلمات مهما شدت عزمها وتطاولت عن إنصافه، فلمحبيه -وهم كثر- العتبى حتى يرضوا إذا وجدوا فيما كتبنا وسنكتب تقصيراً أو عدم إيفائه حقه، ولا شك أنهم واجدون ذلك.
إن الملك عبدالله نموذج فريد لعطاء العظماء فما أعطاه في فترة قصيرة من عمر الزمان، يحتاج إلى عقود مديدة إن لم نقل قروناً عديدة، وما قدمه يعجز عنه الرجال أولو العدد، والجماعة ذات المدد، ولكنها المواهب الفذة، والقدرة العالية، تستفزها وتحركها وتدفعها إرادة لا تلين، وإصرار لا يفتر، وحب للوطن والمواطنين لا يحده حدود، وأعماله وعطاءاته أكبر من أن يحصيها مقال أو حتى كتاب، ولكننا رأينا أنه لا بد أن نقول (شكراً لأبي متعب)، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) رواه أحمد والحكام.