برنامجان، أحدهما اسمه حافز يحتاج إلى مجموعة حوافز، والآخر اسمه جدارة بلا جدارة! هكذا هو حال برنامجين يتحدَّث عنهما معظم الناس، أو بالأحرى طالبو العمل، حتى لا أقول العاطلين، وهم لم يبلغوا سن البطالة!.
ففي البرنامج الأول «حافز» الذي أطلقته وزارة العمل، وبعد أن يرسل العاطل أو طالب العمل رقم هويته، لا غرابة أن تصل إليه عبارة من عيّنة: «للتسجيل الرجاء أرسل رقم الهوية»، وكأن الموقع أصم لا يسمع!. أو عبارة الموقع الشهيرة «الموقع تحت الصيانة حاليًا، الرجاء تكرار الزيارة في وقت لاحق» أو «خلنا نشوفك، مش ح تبقى تيجي»!
أما موقع وزارة الخدمة المدنية فلا بأس أن يخبرك بأهميته، وأهمية القائمين عليه، ولا بد أن يحسسك بضآلتك، حين يقول «لكثرة مستخدمي النظام حاليًا الرجاء المحاولة لاحقًا»، إلى درجة أن معظم من حاولوا الدخول إلى هذا الموقع العجيب، مرّ عليهم أكثر من أسبوع وهم يحاولون دون يأس، بالرغم من أن هذه العبارة القاتلة تجعلك تشعر أن النظام نفسه أصبح مثل المسؤول الذي يرفض مقابلة المواطن، فلا عجب أن يمزّق شاب ملفه الذي يحوي أوراقه بعد أن يرفض المسؤول مقابلته لمدة أسبوع كامل من المراجعات، وقطع مسافة 60 كيلومترًا يوميًا، ففي العالم الواقعي هناك طريقة للاحتجاج على الإهمال أو البيروقراطية، كأن يمزق الإنسان ملفه أو يصرخ في وجّه السكرتير (مع أن المسكين ما له علاقة) ولكن لكي (يفشّ خلقه) في أي كان.
أما طريقة الاحتجاج على الموقع فهي تدمير (الكي بورد) أو البكاء وشدّ الشعر بحسرة، لأننا نتعامل أمام جهاز أخرس، لا يملك من الأمر سوى إطلاق هذه الجمل الاستفزازية!.
أحيانا، أشعر أن موقعي الشخصي الإلكتروني (رغم تواضعه وبساطته الشديدة) ينافس مواقع هذه القلاع الضخمة من الوزارات الحكومية العتيدة، فهل يعقل أن جهة مهمة وقادرة كوزارة الخدمة المدنية، أو جهة لا تكف عين المواطن المسكين الحالم بوظيفة عن النظر والأمل فيها، كوزارة العمل، لا تطلق موقعًا مستقلاً بإمكانات هائلة، كي يستوعب هذا العدد الذي لن يتجاوز عشرات الآلاف أو حتى لو بلغ مئات الآلاف؟
صحيح أن الخدمات الإلكترونية أفضل وأسهل من حشود تقف أمام مبنى وزارة العمل أو الخدمة المدنية، لكن يجب أن تكون المواقع سهلة ومرنة، ولا تكلف طالب العمل سوى دقائق قليلة، لاستكمال معلوماته وبياناته ومؤهلاته، فليس أسوأ من أن يحتفل المواطن البسيط بالأوامر الملكية التي تنصفه، وتعيد إليه حقوقه، ثم تواجهه هذه الجهات الصمّاء برسائل مواقعها التي تنسف حلمه تمامًا بعبارة: الرجاء المحاولة لاحقًا! التي لا تختلف أبدًا عن الجملة الخالدة في بيروقراطية العمل الحكومي على مدى عقود طويلة: راجعنا بكره!.
أخشى أن يردّد المواطن بعد سنوات من الانتظار والحلم بوظيفة وعيش كريم، تلك العبارة المؤلمة التي ردّدها شيخ تونسي: لقد هرمنا ونحن ننتظر!.
فعلى كل موظف يقود أجهزة حكومية تملك سلطة القرار في توظيف الشباب، ويشعر بالتقصير أن يستقيل من وظيفته أو يتقاعد، أو يطلب إعفاءه، المهم أن يترك الفرصة لمن يستطيع عمل شيء لهؤلاء، لأن الأمر أصبح لا يطاق، وعدد الخريجين يتراكم ونحن نتفرّج، فهل سننتظر خمس سنوات أخرى، كي يتضاعف عدد الخريجات الجامعيات الذي بلغ 300 ألف خريجة مؤهلة للعمل؟.
على العموم... الرجاء المحاولة لاحقًا.