إذا أردت أن تعرف إنساناً ما، فانظر إليه بوصفه كتلة تربوية بيتية وتاريخية وإنسانية وثقافية متكاملة، لا تقبل التجزئة، بل تتكامل وتتفاعل وتنظر إلى الأمور نظرة موضوعية وتتعامل معها بوصفها مشروعاً عملياً تاريخياً.. عملياً بمعنى أن يؤسس على التراضي، وتاريخياً بمعنى أن الواقع نفسه، أصبح يفرض الاتجاه، نحو تحقيق حد أدنى من التعاون، والتنسيق، والتكامل.«سلمان بن عبدالعزيز» هو واحد من هؤلاء منذ أن تعرفت عليه لأول مرة عام 1384هـ - 1964م عندما أجريت معه مقابلة في برنامج «ضيف الليلة» وقد تعمدت أن أطرح عليه أسئلة محرجة ودقيقة فواقع الحياة السياسية والاجتماعية عام 1384هـ كان يفرض أن يطرق الإعلامي أبواب الاجتماع والاقتصاد والثقافة والتحولات التي كانت تعيشها آنذاك مدينة الرياض.أتحدث اليوم عن «سلمان بن عبدالعزيز» من خلال معرفتي به، والتعامل معه فمنذ أن عرفته وهو دائم الإنصات لما يسمع، والفهم لما يقرأ، وكم أتعبني هذا الرجل عندما كنت مديراً عاماً لوكالة الأنباء السعودية (1412 - 1424هـ) فلا يكاد تمضي مناسبة، دون أن يسأل أو يطلب معلومة عن حدث ما، حتى بت أحسب لسؤاله ألف حساب.وأتحدث عن جانبين الأول: علاقته بالإعلام والإعلاميين، وله في ذلك مواقف مشرفة ومواقف داعمه، ومواقف لائمة ومواقف معاتبة وهو ممن يحسنون الظن بهم، بل ويدافع عنهم إذا أخطأوا أخطاء غير مقصودة، اعتذرت له يوماً عن خطأ صدر من (واس) فنظر إليّ مبتسماً وقال: «أعرف أنه لم يكن مقصوداً، الحذر واجب».الجانب الثاني هو: بنيته المعرفية، فهي مرجعية تراثية مفهومها ينتمي إلى حقبتين: الماضي والحاضر، وبانتماء «سلمان» إلى هاتين الحقبتين، أو أيّ شخص آخر عاقل، يكون قادراً على توقع المستقبل، وما يكتنفه من غموض، وما يحيط به من مشكلات ينبغي التخطيط لها بوعي وبواقعية هما هدفان في حد ذاتهما، وليسا مجرد مصادفة، فالمجتمع السعودي الذي شق طريقه عبر التنمية بوصفها حقيقة تاريخية، ينبغي أن تتزامن معها، قواعد تخلصه من خصمين: التنافس المضايق والمعرقل لحركة المجتمع، والنظرة القاصرة التي لا تأخذ في الحسبان، ارتياد مجالات حيوية أخرى.اليوم يرتبط «سلمان بن عبدالعزيز» في ذهني وفكري من خلال موقفين الأول: «عام 1427هـ سمعته وهو يرحب بالنقد، ويتعامل معه كبعد مستقل وليس كلحظة عابرة نحن كدولة، ونحن كمسؤولين، نرحب بالنقد، بل نعتبره شيئاً إيجابياً وشيئاً ضرورياً، فإن كان حقيقة فسيستفيد منه المسؤول وإن كان هناك خطأ أو عدم فهم، أو عدم إلمام بالقضية، كذلك يستفيد المسؤول منه، حتى يُبين حقائق موجودة عنده، وهذا أيضاً يخدم الهدف العام».والموقف الثاني هذا العام 1432هـ سمعته يقول: «أنا أقرأ في الغالب كل المقالات في الصحف، التي لها صلة بعملي، أو بالعمل العام، فإن وجدتُ نقداً هادفاً شكرتُ صاحبه، لأنه يعطيك الحقيقة، وإنْ وجدتُ نقداً لم يتحر صاحبه الحقيقة، وجدتها فرصة أن أعطاني فرصة أن أصحح ما قال، وهذا فيه فائدة».إذاً ينبغي أن يتفهم المسؤولون، والمواطنون معاً، أن النقد هو نقد للواقع الحياتي المعاش، وهو الذي ينبغي التعامل معه بوصفه مشروعاً عملياً للحاضر والمستقبل، لا يمكن التأفف أو الضجر من النقد، أو رمي المنتقد بإخلاص، بشتى النعوت والأوصاف التي لا تليق، فلم يعد بوسع المسؤولين والمواطنين معاً، إلا أن يتقبلوا النقد لا لمجرد النقد، وليس لمجرد حلم من الأحلام التي لا تتحقق، وإنما لأنه أمل منشود، وتفكير نحو الأفضل في حاضر المجتمع السعودي ومستقبله مما ينبغي أن يتجه إليه النقد اتجاها عملياً، وليس من باب تصفية الحسابات، أو الضغط على الدولة بالمظاهرات وتهديد أمن المجتمع ومحاولات هدم الوحدة الوطنية، فالعقد الاجتماعي القائم بين الدولة من جهة، والمواطن من جهة أخرى، يستلزم الاستجابة للتنمية، وضرورات الواقع، والتفكير في المستقبل، والانخراط ضمن مجموعة متكاملة متحدة، تبدأ بتحقيق الممكن القريب، وتجعل منه مرحلة من مراحل الطريق، نحو الممكن البعيد.
فاكس: 014543856
badrkerrayem@hotmail.com