كثيراً ما أفكر برجل الأمن على اختلاف أدواره، ومواقع أدائه، ووقته، بل كثيرا ما أتسلل بصمت نحو جوفه، قلبه هذا الذي ينبض فيه، وفكره هذا الذي يقلبه حيثما تكون تفاصيل مهماته، وغالبا ما أتلمس شعوره، قلقه حين موقف، وأعصابه عند الاستعداد، وفي أثناء الأداء،..
هذا التفكير يأخذني لمقارنة هذا الإنسان بغيره, ممن يصبحون على كوب قهوة, وقطعة بسكويت، وينامون على كوب دافئ من الزهورات, والأعشاب، من ترتخي ضلفات أبواب كل موقف لهم، وممن يمارسون الحياة كيفما اتفق..
فأجد أن رجل الأمن، هو الذي لا يعيش ثانية من وقته, كيفما اتفق..
إذن هو المعني بأمر تدريبه، وإشاعة الاطمئنان له، وتلمس تفاصيل احتياجاته، ما يخص إعداده المهني، وترتيب أولياته في الحياة..,
من أجل قيمة الثانية الواحدة بالنسبة له، حين استمرار الروح تنبض في صدره، أو تغادرها لفضاء الله تعالى،..
عندما تهيب به المواقف, ليكون الدرع الذي يفتدي بها الآخرَ، وتستدعيه الأثرة من أجله..
ذلك الآخر الذي ينام وهو يقظ، ويرتوي وهو عطش، ويرتاح وهو تعب، ويطمئن وهو قلق، وينام وهو يقظ، معافى وهو جريح، سعيد مع أهله, وهو مشوق في منأى عن أهله, و......و...
رجل الأمن، من حارس باب في منظومة الطرق، لحارس الوطن في مشارف الثغور, من الجندي الصغير عند المداخل، إلى صاحب المراتب, والأوسمة خلف الخرائط، وقيد الأوامر, مناط التنفيذ،..كلهم فداء لراحة الفرد، ولأمان الوطن..
هؤلاء حين تُقرر لهم البدلات، والعلاج، والسكن..، والتدريب، والترقيات، ويكونون في عيون الرحمة من الولاة، فلأنهم المؤتمنون على كل لحظة في أوقات غيرهم، بمثل ما هم مؤتمنون على كل لحظة تستقر البسمة، في شفاه كل من يبتسم، وهم خلف دعة ابتسامته، ويتنعم وهم حراس نعيمه، ويطمئن وهم فداء اطمئنانه...
هؤلاء كم يحتاجون للدعاء..؟ وكم يحتاجون للتقدير..؟
كم لهم الحق في الاحترام والحب..؟
كم هم قيمة عظيمة لمفهوم الأداء، والواجب، والفداء..
وكيف هم المفهوم الناطق الدال على عظمة الصدق حين هو فعلهم، والأمانة حين هي إيثارهم.., والعطاء حيث يوقف الواحد منهم ذاته جسدا، وعقلا, وروحا للوطن، مقدرات وأناسا..؟
هؤلاء من ينبغي لهم من كل فرد في المجتمع، أن يجعل لهم نصيبا من الذكر, بين نفسه وربه في الدعاء.., وبينه وأبنائه، في التربية، والتنشئة، ليتعرفوا أدوارهم، ويقدروا قيمتهم، فيعينوهم في الشارع باحترام قوانينه، وبين الصحب بانضباط سلوكهم، وبالصدق في الولاء لأدوارهم..
ثم لهم الحق عند كل فرد بما يستطيع، ذلك بالتعاضد مع أسرهم، حين يصبح الواحد منهم فداء للوطن، أي فداء لكل فرد فيه..
إن هذه الفئة الباذلة الصادقة، مكافحة على نبض كل عرق في أجسادها، بل بكل رنين عصب فيها، أو حركة روح داخلها...
كثيرا ما أفكر في صبرهم على كل جبهة, في الرخاء والشدة، في الليل والنهار..
أرسم لهم صورة في مخيلتي، فأراهم الزاهدين، الأتقياء، الورعين، الصفوة في حسن الخلق، وتقوى الله، وقوة العزم، ورباطة الجأش، والحرص على الوعي واليقظة، والإحساس العادل بالآخرين، والمؤثرين على أنفسهم، والحريصين على واجباتهم، من لا تغمض لهم عين في وقت عملهم، ولا يبددون ثانية في الأحاديث الجانبية، ولا يستغلون أدوارهم لمصالحهم، أو ضد غيرهم، هم في مخيلتي هؤلاء الذين يلبون حتى لصرخة الصغير، أو نحيب الثكلى، أو نداء الملهوف...
صورة تجسدهم لدي دائما, كلما تفكرت في طبيعة أدوارهم، حيث توزيع الأدوار بين البشر, فكل يسخر لما كتب له،..
فلا أجد في رجل الأمن إلا أجمل النماذج، وأصدق الأدوار..
وهو الوفي الأوفى، الذي له الوفاء...
هذه السطور من لواعج وقائع مسرح الحياة.