في خضم الأحداث الجارية في الشرق الوسط وبالذات المنطقة العربية.. هل فقد الفرس دهاءهم السياسي؟ أم ضيعوا حكمتهم التي كانت إحدى وجوه الفلسفة الشرقية؟ خطر ذلك في بالي وأنا أستمع قبل أيام إلى المتحدث باسم الخارجية
الإيرانية، الذي يستنكر دخول قوات درع الجزيرة إلى مملكة البحرين بطلب من قيادتها، واصفاً ذلك بأنه أمر غير مقبول، كما حث القيادة البحرينية على الرد بشكل سلمي على المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية دون تدخل خارجي. أما الرئيس الإيراني أحمدي نجاد فقد اعتبر دخول القوات الخليجية - التي وصفها بالأجنبية - إلى البحرين لقمع الانتفاضة الشعبية - على حد زعمه - إجراءً منبوذاً ومحكوماً عليه بالفشل، داعياً قادة البحرين على الاستجابة لمطالب شعبهم، وعدم التعاطي معه بلغة البندقية والمدفع وبأساليب غير إنسانية وغير مقبولة.
التصاريح الإيرانية تكشف عن غبش الرؤية لدى الإيرانيين للمشهد العام في منطقة الشرق الأوسط، و(الانتقائية المفضوحة) التي يمارسونها في التعامل مع الوقائع الجارية في كل المنطقة، عندما يعتقدون أن المظاهرات والاحتجاجات والاضطرابات محصورة في الوطن العربي، رغم أن العالم كله شاهد كيف تعاملت الحكومة الإيرانية مع المتظاهرين من الشعب الإيراني بالقمع والاعتقالات والتكتيم الإعلامي إبان الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة ولا زالت. كما شاهد العالم ويتابع كيف تتعامل قيادة البحرين مع شعبها بمنطق الحوار، والدعوة إلى الحكمة وتفويت الفرصة على دعاة الفتنة. كما أنها (وقاحة سياسية) من قبل الحكومة الإيرانية التي يبدو أنها تعيش في أحلام الماضي الصفوي، عندما تتدخل في قرار سيادي لدولة أخرى كمملكة البحرين، وكأنها الوصية على أمن الخليج، أو المسؤولة عن النظام البحريني، أو تربطها بمملكة البحرين اتفاقيات أمنية تسمح بذلك التدخل السافر، خاصةً أن العكس هو القائم، فالبحرين عضو في مجلس التعاون الخليجي، الذي يقوم على التعاون السياسي، والتكامل الاقتصادي، والتضامن العسكري بين دوله الست، بدلالة تكوين قوة درع الجزيرة لحماية دول المجلس من عدوان خارجي أو ضبط أوضاعها الأمنية عند الضرورة والمحافظة على استقرارها. وكما كان لمجلس التعاون الخليجي موقفه المشرف من تحرير الكويت عام 1991م، سيكون له موقفه المشرف إن شاء الله بالنسبة لحماية أمن البحرين الداخلي واستقرار نظامها السياسي.
لقد أكدت الأحداث البحرينية أن الإيرانيين يعملون في المنطقة منذ زمن الثورة على محورين، الأول (طائفي) في سبيل التحكم بعواطف الشيعة العرب، ومن ثم توجيه بوصلة مواقفهم من بلدانهم ومحيطهم العربي بشكل عام بما يخدم إيران، وكأنها هي قلعة المذهب الشيعي الحصينة، رغم أنها دولة قومية حتى النخاع تلعب بالورقة الإسلامية لتمرير مصالحها وتعزيز نفوذها، والمحور الآخر (عقائدي) بالتحذير المستمر من إسرائيل، وأن أميركا وراء كل الشر في المنطقة. ولا تدري هل نسي الإيرانيون تقاطع مصالحهم مع الأميركيين في أفغانستان والعراق، بالسماح للطيران الأميركي أن يصب حممه على رؤوس الأفغان في سبيل إسقاط حركة الطالبان (السنية السلفية)، وقبول القواعد الأميركية على الأراضي العراقية، من خلال شخصيات متأمركة رضعت من الحليب الإيراني لأجل الإطاحة بنظام صدام (البعثي القومي). وحتى لو نسي الإيرانيون تلك المصالح التي تمت تحت الطاولة، وتغاضينا عن ذلك من باب (ستر المسلم)! هل يعتقدون أن مسألة دوافع دعم المقاومة في لبنان وفلسطين قد تنطلي على الجميع، في ظل انعدام هذا الدعم بالنسبة لأقطار إسلامية أخرى كالشيشان على سبيل المثال. أم هي مصالح الجمهورية وقيم الثورة التي تعلو فوق مصالح الأمة وقيم الإسلام؟ على الإيرانيين أن يدركوا أنهم جزء من المنطقة وليس كل المنطقة، وأن إيران دولة على ضفاف الخليج ولكن لا تتحكم به، وأن بيتها من زجاج مثل غيرها، فلا ترمي بحجر فغيرها يمكن أن يرميها بشرر، ففيها عرب سنة وشيعة، ومنطقة أحواز عرب ستان لازالت على الخريطة وفي وجدان العرب.