تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن ثنائية اللغة (Bilingualism) يمكن أن تؤخر مرض عته الشيخوخة (الخرف) المعروف باسم (Dementia) الناتج عن تقدم الإنسان في العمر، ومرض الزهايمر (Alzheimer Disease) في الأشخاص ثنائيي اللغة (Bilinguals)،
مقارنة بأقرانهم أحادي اللغة (Monolinguals) بمعدل أربع أو خمس سنوات. في هذا المقال سأعرض بعض نتائج هذه الدراسات المحدودة بالتحليل والنقد العلمي.
قام فريق من الباحثين الكنديين المتخصصين بتحليل السجلات الطبية لـ184 مريضاً تم تشخيصهم على أنهم يعانون من مرض الزهايمر، وأمراض أخرى متعلقة بالشيخوخة. وجد الباحثون أن تحدث الأشخاص بلغتين خلال حياتهم يؤدي إلى تأخير بداية ظهور علامات عته الشيخوخة لديهم 4 سنوات، مقارنة بأقرانهم الذين يتحدثون بلغة واحدة فقط. وفي دراسة أخرى قام نفس الفريق بتحليل السجلات الطبية لـ211 مريضاً تم تشخيصهم في مستشفى سام وأيد روس لأمراض الذاكرة في بيكرست، أكبر المراكز الأكاديمية الطبية لدراسة أمراض التقدم في العمر. صُنف من هؤلاء المرضى 102 على أنهم ثنائيو اللغة، في حين صُنف الباقون على أنهم أحاديو اللغة. وجد هؤلاء الباحثون في دراستهم المنشورة في المجلة العلمية (علم الأعصاب Neurology) أن المرضى ثنائيي اللغة شخصت حالاتهم أنهم مصابون بمرض الزهايمر، ثم بعد ثلاثة أشهر بدأت أعراض الزهايمر في الظهور بعد خمس سنوات من ظهورها في أحاديي اللغة.
وفي دراسة هي الأحدث نشرت في دورية (مرض الزهايمر والاضطرابات المصاحبة Alzheimer Disease and Associated Disorders) في 2010م وجد أن تعدد اللغات قد يقدم حماية ضد بداية مرض الزهايمر، ولكن لا يوجد فائدة مثبتة إحصائياً لمن يتحدث بلغتين فقط.
ويجمع الباحثون في هذه الدراسات على أن مخاخ الأشخاص الذين يتقنون لغتين فقط يصيبها الوهن والضعف نتيجة مرض الزهايمر، ولكن يبدو أن ثنائية اللغة تحمي مخاخهم وتمنحهم مهارات تعويضية تعمل على تأخير علامات عته الشيخوخة لديهم. وبناءً على ذلك يرى هؤلاء الباحثون أن ثنائية اللغة، وعوامل أخرى متعلقة بنمط الحياة اليومي، كالغذاء الصحي، والتمارين المنتظمة قد تُسهم في محاربة مرض الزهايمر وعته الشيخوخة.
ويبقى السؤال: ما مدى مصداقية نتائج هذه الدراسات؟ تأثرت هذه الدراسات بنتائج بحوث ثنائية اللغة التي حاولت دراسة العلاقة بين النمو المعرفي وثنائية اللغة عند الأطفال ثنائيي اللغة منذ مطلع ومنتصف القرن الميلادي الماضي. أشارت غالبية الدراسات التي أجريت بعد منتصف القرن الميلادي الماضي إلى أن الأطفال ثنائيي اللغة الذين يكون أداؤهم في اللغتين متوازناً يتفوقون على أقرانهم أحاديي اللغة وثنائيي اللغة الذين يعانون ضعفاً في إحدى اللغتين، خصوصاً اللغة الأم. جاءت نتائج هذه الدراسات مقنعة - إلى حد كبير - بسبب استخدامها للمنهج التجريبي، وذلك من خلال استخدام الاختبارات القياسية وتحكمها في عوامل أخرى، كالأداء اللغوي في اللغتين، والجنس والعمر وغيرها. لم تتحقق هذه المنهجية للدراسات التي زعمت أن ثنائية اللغة تؤخر الشيخوخة وأمراضها كالزهايمر 4 أو 5 سنوات في الأشخاص البالغين الذين يصنفون على أنهم ثنائيو اللغة. تفتقد هذه الدراسات للمنهجية المناسبة التي من خلالها يمكن - إلى حد كبير - القول بأن ثنائية اللغة يمكن أن تكون عاملاً مهماً في تأخير عته الشيخوخة. فمراجعة سجلات المرضى ووصفهم بأنهم ثنائيو اللغة ليس كافياً ولا يقدم دليلاً واضحاً على صحة ما ذهبت إليه هذه الدراسات المحدودة في عددها، وهي بذلك تفشل في الإجابة على سؤال مهم في مجال ثنائية اللغة، وهو: هل لدرجة ثنائية اللغة تأثيراً على أعراض الشيخوخة وتفاوت نسبتها بين المبحوثين؟ كذلك لم تتحكم هذه الدراسات في عوامل مهمة قد تكون هي السبب الرئيس وراء تأخر أعراض الشيخوخة في الفئة التي صنفت على أنها ثنائية اللغة. على سبيل المثال قد يكون الجانب الصحي العام للمريض أو الممارسة الرياضية أو الحمية المناسبة أو الحياة العاطفية أو جميعها هي الأسباب الحقيقية وراء تأخر عته الشيخوخة وليس ثنائية اللغة، كما ذكرت هذه الدراسات.
أعتقد - بصفتي من الباحثين في ثنائية اللغة - أنه لابد من إجراء دراسات طويلة الأمد Longitudinal (تمتد من 15 إلى 25 سنة) على عينات تشمل أحاديي اللغة وثنائيي اللغة في مرحلة عمرية تسبق دخولهم مرحلة الشيخوخة - لنقل 45 و50 سنة - ويتم دراساتهم حتى عمر متأخر في حياتهم للتأكد من أن ثنائية اللغة هي حقاً أحد الأسباب الرئيسية في تأخير عته الشيخوخة. وقبل إجراء هذه الدراسات يتم تحديد قدرة المبحوثين في اللغتين والتحكم في عوامل أخرى كالتاريخ الصحي والحياة العاطفية والخلفية التعليمية للمبحوثين.
(*) أستاذ مشارك في اللسانيات النفسية - التطبيقية
mohammed@alhuqbani.com