الحداء نشيد الموت
وضراوة الإسلاف
في وحشة الصحراء
الحداء شلال الدم
وجثث الأجداد في العراء
الحداء نداء البدو للوحوش
أو كواسر الطير إلى وليمة
من الأشلاء
الحداء عويل الفيافي لكثرة الدماء
وهو نعيق البوم والغراء
والخراب
وهو خوار الضبعة العرجاء
وهو نواح الأم والأخوات والأبناء
على فتى قد مات
من أجلهم لكي يعود
بناقة هزيلة جرباء (!!)
هكذا بالأمس ابتدأت المحاضرة عن الحداء في جمعية الفنون في الدمام بدعوة كريمة وجهها لي الأخ الشاعر فالح الدهمان، وبالطبع لم أكن وحدي في قتامة الأستوديو، بل كان معي الأستاذ (علي الدرورة) الباحث والمحاضر في التاريخ والمتخصص في فترة النفوذ البرتغالي في الخليج والهند ليتحدث عن حداء البحر أو (النهمات)، وقد بدأ الصديق علي بعكس ما بدأت، إذ كان هادئاً وصافياً كصفاء الماء في صفحة الخليج. ولِمَ لا، فهو ابن بحار عتيق وقد أحضر معه آخر (نهام) من عصر البحارة الأشداء الذين كانوا يشقون العباب بسفنهم العنيدة نحو السواحل القصوى وأعني بذلك الأب صالح بن عبيد النهام الشهير.
أما أنا فقد ساندني شابان بدويان رائعان على شيلة الحداء ألا وهما بدر علوش وناصر حميد الضفيريان - أي من قبيلة الضفير العزيزة التي تجيد شعر الحداء. وفي بدء (الأمسية - المحاضرة) النادرة كان المسرح مطفأ إلا من بعض بصيص النور، وفجأة دخل الحاديان يترنمان بنشيد لم يعهده الجمهور لأنه نشيد كاد أن ينقرض منذ عهد الغزوات والفرسان ولم يكد الحاديان ينهيان المقطع المحتدم حتى دخل النهام بصوته الرائع الجميل ليضيف دهشة كبرى على ملامح الجمهور، ثم أضيء المسرح لتبدأ المحاضرة المشتركة عن فنون البحر والصحراء. وهكذا استطاعت جمعية الفنون فرع الدمام أن تزاوج بين البحر والصحراء حتى الاندغام التام لتتشكل خريطة هذا الوطن الجميل. فشكراً لفرع جمعية الفنون بالدمام.