حينما أُعلنت الأوامر الملكية، واحتفل المستفيدون من راتب الشهرين، من موظفين حكوميين وعسكريين ومتقاعدين وطلاب جامعة وغيرهم، بل حتى ممن توقفت عنهم المكافأة الجامعية بسبب تجاوزهم المدة الزمنية للتخرج حصلوا على مكافأة شهرين، ولم يكد يتباكى موظفو القطاع الخاص على أوضاعهم حتى تهافتت البنوك التجارية والمؤسسات الصحفية والأندية الرياضية والشركات الرائدة الكبرى، واستجابت لأمر خادم الحرمين الشريفين؛ فأعلنت بحب منحها موظفيها راتب شهرين، تفاعلاً مع الأمر الملكي الكريم!
إلا أن هناك جهة حكومية لم تزل تماطل وتعطّل القرار، وتعد بأن تدرس الأمر مع الجهات المختصّة، وكأنها جهة خارج البلاد، أو أن المستفيدين ممن يتبعونها هم غير مواطنين، أو أن ما ستدفعه هو تكرّم منها، مع أنه حق من حقوق المستفيدين من نظامها، أعني المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية؛ فالمدهش أنها لم تكن المرة الأولى التي تغرّد فيها أو (تعطّل) خارج السرب؛ فقد كان لها مع زيادة غلاء المعيشة ال (5%) حكاية طويلة، وسيناريوهات عجيبة، كما لو كانت مسلسلاً تركياً، احتاجت إلى سنتين كاملتين كي يحسم أمرها! وحينما جاءت أيضاً جاءت منقوصة عمّا تم إقراره!.
ماذا يعني أن يصرّح محافظ المؤسسة بأنه يبحث الأمر مع الجهات المعنية؟ وما جدوى أن يلمح بإمكانية تلبية طلبات المستفيدين، كما لو كانوا مستمعين، ينتظرون بث الخبر الأكيد، أو ينتظرون صَدَقة يتبعها أذى، لا أصحاب حق شأنهم شأن غيرهم من المواطنين، وبخاصة زملاؤهم ممن يخضعون للمؤسسة العامة للتقاعد، فهل يعقل أن يحصل موظف التقاعد على راتب شهرين تنفيذاً للأمر الملكي بينما لا يحصل عليه مستفيد التأمينات الاجتماعية؟ بل هل يُعقل أن لا يحصل عليه من أفنى أكثر من نصف خدمته تابعاً لنظام مؤسسة التقاعد ثم تحوّل إلى نظام مؤسسة التأمينات الاجتماعية؟.
هل تعرف معالي المحافظ من هم مستفيدو التأمينات الاجتماعية؟ هم ممن أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسسات البلد، بذلوا من عرقهم وصحتهم الكثير، واقتطعتم من رواتبهم الكثير، واستثمرتموها في مشاريع ضخمة، ثم تستكثرون عليهم راتب شهرين فحسب، تلك التي جاءت بقوة أمر ملكي شمل الجميع!
ليتكم معالي المحافظ بادرتم، كما فعلت المؤسسة العامة للتقاعد، في اليوم التالي وبشّرتم منسوبيكم بأنهم مشمولون براتب الشهرين، دون مماطلة وتسويف ودراسة، ومَنْ يدري، ربما لجان خلفها لجان، في قلبها لجان، ومن ورائها لجان، حتى تضيع حقوق هؤلاء، أو تأتي متأخرة!
أكاد أجزم معالي المحافظ بأنكم لو أنهيتم دراستكم الموقرة بعد شهر أو سنة، ثم قررتم منح راتب شهرين لمستفيدي نظام التأمينات، فلن تختلف عما فعلتموه مع زيادة بدل غلاء المعيشة، أي إما أن تأتي منقوصة، راتب شهر واحد فقط مثلاً، أو راتب شهر ونصف، بتبريرات جديدة واهية، ربما تُدرس أو (تطبخ) الآن، أو أن تأتي متأخرة، فحتى لو جاءت كاملة، وكانت في غير أوانها، فلها طعم آخر، لكنه ليس طعم الفرح على أي حال.