ثمة معركة دائمة بين المتضادات في الحياة الإنسانية، يغذيها عادة تنافس المشاعر بين شخص وآخر، أو مجموعة وسواها، أوبين فئة تريد وأخرى لا تريد، ومع الوقت قد تتطور هذه المعارك على المستوى المعنوي لتصبح من قبيل المواجهة أو الصراع بين الإرادات الإنسانية وواقع الحياة.
فمثال ذلك من المعارك ما وقع في اليابان بعد فاجعة الزلزال المدمر الذي تسبب في الكثير من الهزات المعنوية والتأرجحات المادية العنيفة في الاقتصاد، إلا أن هذه المعركة التي خاضها اليابانيون كعادتهم ضد الكارثة سارت بطريق الأمل، ليبحث الجميع بدأب وإصرار عظيم عن مخرج مناسب يقيل أمة اليابان من عِثَارِها الطبيعي الأليم.
ولكي يبين اليابانيون أنهم جادون في كسب المعركة وأنهم سيقاومون على مدى الزمن سطوة الطبيعة وعنف الزلازل فقد تمت وعلى مرأى من العالم إعادة إعمار طريق جبلي متعرج بعشرات الكيلومترات بوقت قياسي، له دلالاته وأهدافه المعنوية حتى وإن لم يكسبوا المعركة بعد، بل إن بعضهم لم يفق من هول الواقعة وأثر الكارثة.
هل يمكن أن نقول عنهم: إنهم خسروا المعركة وفقدوا الشيء الكثير من مكونات حضارتهم من بنية تحتية ومقدرات مادية على نحو السفن والسيارات والبيوت والمنشآت؟ أم نجزم أنهم انتصروا على هذه الكارثة بشروعهم بالعمل بقدرة خارقة على التحمل والصبر، والعودة للحياة برغبة ملحة من أجل تجاوز الأزمة التي عصفت بهم.
من يريد أن يتعلم دروس الخسائر والمكاسب أو الهزائم والانتصارات في الإرادة فثمة معركة لا بد أن يخوضها مع الذات حينما يقر الجميع بالهزيمة ويبدؤون بالعمل على تلافيها، وهذا شأن هذه البلاد التي نجحت أكثر من مرة في تجاوز الهزيمة تلو الأخرى، ولاسيما أن مثل هذه المعارك الخاسرة كانت مجبرة على مواجهتها على نحو الحروب والدمار والزلازل، فجاء هذا الصراع والتنافس والسباق مع الزمن حول البناء والتطوير وتجاوز الأزمات وصناعة الأمل بمكاسب مهمة.
الإرادة في المجتمع الياباني هي من تصنع المعجزة حينما تحول المعوق أو المثبط أو المأزق إلى هيئة لغز شيق على الجميع فك مغاليقه، لتنهض همم الجميع في زحزحة ما يعترض سبيل الوصول إلى حلول مقنعة تعيد الحياة إلى سابق عهدها المفعم بالنجاح.