البحرين.. عش عصفور منسوج من قش وأعواد شجر رقيق، يملك قابلية الحياة وقابلية الاشتعال، البحرين.. مثل رقصة (اليوتوبيا) اليونانية؛ لهذه الرقصة خاصية التفرّد، وخاصية
التناغم، وخاصية الرؤية، وخاصية القبول، البحرين.. مثل حداء جميل في ليلة ربيعية مقمرة هادئة، البحرين.. مثل فاتنة صغيرة لها مفاتن وحسن ونوع جديلة ساحرة ورقي وامتزاج عاطفة، تهوى الحقول والوردة والماء العذب، والشعر والرواية والنجوم والسهر والحلم بالقادم الآتي، البحرين.. لديها حدس ووعي وتجرد وانتماء عروبي وفكر ودلالة ورمز، للبحرين استدارات وجدانية وميول ونرجسية، لها فلسفة، وامتداد فضاء، وحرية تحليق، وفسحة عطاء، للبحرين.. أصول فهم، وأصول إدراك، وأصول تعامل، وأصول موقف، وأصول تطلعات، وأصول الكلام المباح، البحرين.. لها وعي حضاري، ووعي اجتماعي، ووعي بيئي، ووعي فكري، ووعي إنساني، ووعي تعامل، ووعي علاقات، ووعي تحليق نحو الأفق، ووعي لغة التلويح والترويض، إنني أخاف على البحرين، وأملك إحساساً بالخوف والحرص على ممتلكات هذا العش الجميل، بكل أغراض هذا العش الفكرية والإنسانية والحضارية والتاريخية، إنني أخاف على البحرين من العاقين الجدد، والطغاة الجدد، والمستبدين الجدد، الذين يملكون فكراً ضحلاً ودونية في التفكير، ورداءة في التخيل، إنني أخاف على البحرين من القطعان المسعورة، التي لا تحب كل شيء حي ومتحرك، التي تغتال الطفولة والكهولة وتتآمر على الوطن، وتدمير منجزاته، وتفكيك وحدته، وإشعال نار الفتنة، إنني أخاف على البحرين من هؤلاء الخفافيش الذين يملكون العين الواحدة، والأذن الواحدة، والهدف السيئ الواحد، الذين يعيشون على لعق الدم، وإيذاء الجسد، الذين لهم ثقافة تنطلق من فوهات البنادق، الذين يخطبون بعنف، ويتكلمون بعنف، ويهدّدون بعنف، ويتشحون بالسواد بعنف، يمقتون لون البياض، وسنابل القمح، والذرة، وبيادر الحصاد، والبحيرات الملونة، وشكل النخيل، وامتداد البحر، الذين يمارسون لعبة الرعب والتخويف والمصادرة، أهل المفردات الخاصة، والشعارات الخاصة، والانتماءات الخاصة، والمفاهيم والأعراف الخاصة، والحفلات والمهرجانات الخاصة، هؤلاء الذين يملكون الوجع التدميري، والسلوك الراديكالي، والإيديولوجية المشينة، ومعول الهدم والوأد، ذوي الأنياب البارزة، والمخالب الطويلة، أصحاب الكتب الصفراء، والإعلام الأصفر، والمنتديات الصفراء، الممارسين لأبشع أنواع الهرطقة الفكرية والكلامية، أصحاب الضمائر الساقطة، والصفقات المشبوهة، الذين لا يهمهم الوطن، ولا استقرار الوطن، ولا جمالية الوطن، ولا منجزات الوطن، ولا مشاريع الوطن، ولا نمو الوطن، المتلبسين النفاق والرياء والبهتان والتدليس والغوغاء والعبث، إنني لا أريد للبحرين هدماً تراكمياً، أو قتلاً مقيتاً، أو غوغاء متمرّدة، أو عقوق مواطنة، أو عنتريات فاشلة، أو نظريات فاسدة، أو بطولات زائفة، أو طائفية بغيضة، أو شحن خراب، إنني أريد للبحرين أن تكون سحراً متفرّداً، وشمساً متفرّدة، وقمراً متفرداً، وعصفوراً متفرداً، وإنساناً متفرداً، ووجوداً وكياناً له خاصية التفرّد والتميّز والكبرياء، إنني أريد للبحرين أن تكون إعصاراً قوياً يشل حركات هؤلاء العبثيين المندسين المتواطئين العملاء، وأن لا تنخدع بالسراب، ولا بالمتلوّنين الأشباح، فقد ظهرت التماسيح وانكشفت رغم دموع الزيف، بحرين يا بحرين لقد بان الفلق وذهب الغسق، أزيلي الشوك والعليق، وازرعي البذرة الحيّة لتلد لك ألف بذرة حيّة.