يظل الإنسان على وجه هذه البسيطة بما منح من قدرات ذهنية وجسمية مختلفا عن المخلوقات الأخرى التي تشاركه الحياة فوق هذه الأرض، لكن هذا التميز وإن جعله يدخل مناطق كانت فيما سبق تمثل مساحة المجهول الذي لم يفتح مغاليقه ويفك أسراره إلا العلم المعتمد على التفكير العلمي القائم على التجربة وتكرارها مرة بعد أخرى لفتح مناطق مجهولة في حياة الإنسان على هذا الكوكب في حالتي السلم أو الحرب.
تذكرت كل ذلك في لحظة إنسانية مروعة عندما حدثت الكوارث الطبيعية على اليابان التي بنت نفسها من الدمار بعد الحرب وخرجت لتثبت للعالم قدرة الشعوب والقيادات على خلق التحدي وخلق دول وشعوب تستحق الحياة متسلحة بالفكر بعيدة عن الخرافة والنكوص إلى الوراء، هذا الرعب الذي كان نتيجة للطبيعة في أوج قسوتها بل في أعلى درجات التراجيديا التي يقف أمام سطوتها مرتبكا ويائسا قليل الحيلة والتصرف، وكأن هذه المعرفة لم تصل سوى حدود قدرة الوعي البشري على الكشف والوصول الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه لمزيد من البحث والاستقصاء لتدارك الأخطاء السابقة، ويقينا فإن هذا الصراع الحتمي بين الإنسان والطبيعة هو المعنى الحقيقي لجوهر الحياة الذي لن يكون بالاستسلام للدعة أو اجترار الماضي دون الحصول على القيمة المعرفية، ما من شك في أن دولة مثل اليابان تمتلك في داخلها تلك القوة الهائلة لتخرج من هزيمتها أكثر انتصارا للإنسانية وأكثر إصرارا لأسباب عدة لعل أولها روح التحدي التي تشربوها من الساموراي بأسا وشدة علاوة على مايمتلكه هذا الشعب من عقول تنتمي إلى العلم.
ربما أن القارئ العزيز يطرح استفهاما مشروعا من جانبه وله كل الحق في ذلك ليعرف الرابط أو الصلة بين العنوان بعاليه وبين هذه الكارثة المحزنة على الصعيد الإنساني. يمكنني القول: إن الرعب الذي يمكن أن ينشأ جراء تسرب الإشعاع النووي سوف يمثل كارثة على صعيد اليابان نفسها أو على من جاورها أو على العالم بأسره.عند هذه النقطة بالذات تذكرت والدنا الضخم - المتنبئ - وهو يغوص غائرا في النفس البشرية يسلط عليها ضوءا كاشفا يجلي هذه العتمة ليكشف من جانب حياد الطبيعة في حالتها العذرية، وتوق الإنسان وميله البشري للشر دفاعا أو اندفاعا قناة هذا الشاعر العظيم لا تبث عبر سنين عديدة إلا أجمل القول وأروع التوقعات هاهو الإنسان عندما يجرح الطبيعة.
يقول المتنبي:
كلما أنبت الزمان قناة
ركب المرء للقناة سنانا
وسلامتكم.