لم يعد سراً مدى ارتباط اضطرابات وقلاقل البحرين بإيران، وبعميلهم في لبنان حسن نصر الله. كلنا سمعنا الأخبار التي تحدثت عن (المعارض) البحريني الذي جعل من بيروت محطته الأولى قبل أن يعود من منفاه إلى بلده البحرين. ذهب إلى لبنان ليؤكد الولاء لإيران أولاً، وثانياً ليتلقى التعليمات من (عرب) لبنان، في كيفية الإخلاص للفرس الصفويين، ويكون لهم كما هو نصر الله وحزبه في لبنان، أو حركة (حماس) الإخوانية في غزة. أعرف أن هناك مطالب سياسية ومعيشية وجيهة للبحرينيين سنة وشيعة، وأعرف أن القيادة في البحرين قبلت من حيث المبدأ الحوار، شريطة ألا يكون هناك شروطاً مسبقة كما كان الأمر في بداية الأزمة. غير أن المعارضين الشيعة في البحرين ظنوا أنهم الأقوى، وأنهم لذلك الأقدر على إعادة تشكيل خريطة مراكز القوى هناك، وأنها فرصتهم (التاريخية) ليملوا شروطهم. قراءتهم الخاطئة للوضع السياسي الداخلي في البحرين كانت تضع من إيران عنصراً مرجحاً في صراعاتهم السياسية الداخلية، بينما أن إيران لأسباب إستراتيجية متشابكة ومتداخلة ليست سوى قوة مكبلة بالأمر الواقع، وبمصالحها، وبتوازنات القوى في المنطقة وفي العالم. اكتفت إيران وحلفاؤها بالتهويش، وبالجعجعة الإعلامية، والنصرة الكلامية، أما المعارضة البحرينية فانتهت إلى الفشل عندما اضطرت دول مجلس التعاون بالتدخل من خلال درع الجزيرة، وتحاصر الاضطرابات والإيرانيون يتفرجون ولا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً.
هل استوعب البحرينيون الشيعة الدرس؟
ليس لديّ شك أن عقلاءهم على الأقل استوعبوه ولكن متآخرين؛ عرفوا (الآن) أن الاعتبارات الجغرافية والسياسية وتوازنات القوى هي التي تملي شروطها في الصراعات السياسية إذا جاء الجد، وأن السياسي، أو حتى رجل الدين، الذي يقرأ الحالة السياسية من خلال الاستقواء بالخارج يفشل مثلما فشل كثيرون. لذلك فإن شيعة البحرين مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بإثبات أنهم (مواطنون) بحرينيون قبل أن يكونوا شيعة، وأن علاقتهم بإيران لا تختلف عن علاقتهم بأية دولة خارج حدود البحرين، وأن البعد الطائفي لا يشكل ثقباً يلج منه الإيرانيون ليسيطروا على البحرين كما هم يسيطرون الآن على لبنان من الداخل؛ وهذا بصراحة لا يمكن أن يتأتى على أرض الواقع عملياً إلا بإبعاد أصحاب العمائم من رجال الدين عن السياسة، فرجل الدين، أياً كان مذهبه، إذا قدم الولاء للوطن قبل الولاء للمذهب أو للطريقة أو للمرجعية (سقط)، لذلك فلا يمكن لرجل الدين أن يُقدم الولاء للوطن قبل الولاء للطائفة أو للمذهب، لأن هذا يُفضي بأن يخرج هو نفسه من معادلة القوة والتأثير والسيطرة تماماً، وخروجه من معادلة القوة والتأثير يعني حكماً أنه ينتحر سياسياً؛ وهذا ما سوف يدفعه بكل ما أوتي من قوة، ومهما كان الثمن، وهنا تكمن المشكلة.
العودة إلى الحوار بين السلطة والمعارضة وتلبية وساطة أمير الكويت هو الحل؛ ولكن شريطة أن يبتعد عن هذا الحوار رجال الدين الشيعة، وأن يتولى تمثيل المعارضة رجال سياسة لا رجال دين؛ فالسياسيون لديهم لغة مشتركة تحكمها المصالح الدنيوية، بينما رجال الدين لديهم أجندات أخرى يحكمها البعد العقدي الطائفي وامتداداته الولائية بالخارج.
إلى اللقاء.