نصدم كثيراً عندما نتكلم عن الحب ودواعيه ومسبباته وآفاته وحسناته، ويأتيك من يسفه الجميع ويقول جازماً بأن الموضوع غير جدير بالنقاش فليس ثمة حب في هذا الزمن المادي..!!
هذا الكلام على إطلاقه بالطبع غير صحيح أبداً، فأي إنسان يحمل قلباً لابد وأن يعيش هذه اللحظات التي تقشع غيمة الكآبة والتي تسمى ساعة التجلي القلبي، فيكون لهذا القلب المعنى نصيبه من الحب والشوق، فمن لا يدغدغ الحب قلبه بين فينة وأخرى لا يكون حياً أصلاً، ولا يكون لحياته طعم لو قدر، وإن كان من الأحياء.
مشكلة الكثير أنه عندما يسمع كلمة حب لا يتبادر إلى ذهنه إلا قيس وليلى ووجد الفراق الذي جعل منهما حديثاً للسمار والعذال، لا يتبادر إلى ذهنه الحب الأسمى والأعلى.. حب الله وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يحاول أن يخلو بنفسه حتى ولو كان جسده مشغولاً فيتقرب لله حباً وشوقاً وانقطاعاً بكل حركاته وسكناته، بكل تصرفاته، وانفعالاته، بكل أقواله وأفعاله إجمالاً، عندها سيشعر بهذا الحب الكامن الذي حركه هذا الاستشعار فأوجد هذا الشعور الذي هو في غاية الكمال والجمال، وهو عبادة قبل أن يكون أي شيء آخر.
لا يتبادر إلى ذهنه حب والديه أحياءً كانوا أو أمواتاً، فإن كان أحدهما أو كلاهما حياً فليستشعر هذا الحب ليقبل يدها أو يده ليداعبهما بما يحبان لسمعهما أعذب صوت يسمعه والد أو والده.. أبي.. أمي، فإنه أعذب لحن يمكن أن يسمعه الوالدان، إذا ودعتهما أو أحدهما فاستشعر هذا الحب الذي في داخل كل منهما لك، واستشعر حبك لهما فستجد أن ثمة شيء غريب يجعل من قلبك في حالة خفقان، إنه الحب ولا غير الحب خفق بقلبك، وإن كانا قد رحلا من هذه الدنيا فتذكر حبهما وامنحهما حبك بالدعاء لهما واستشعار عظم مردود هذه الدعوات عليهما وهما في قبريهما.
وهؤلاء لا يتبادر لهم حب البنين والبنات وهم يحيطون بهم حباً فطرياً لا تشوبه مصلحة ولا هدف، يرددون كلمات تخالطها ضحكات البنوة للأبوة الحانية الصادقة.
إن الحب الصادق بأي صيغة كان ولمن يكون هو العلاج الحقيقي للقلوب وهو ما يمنح الإنسان الأمل في حياة سعيدة وإن تقدم به العمر وهزل منه الجسد.
يأتي من يقول ولكن حب الرجل للمرأة هو الحب البشري الوحيد الأقوى والأكثر شجناً، وهو ما يمنح الإنسان ذكراً كان أو انثى هذه الطاقة التي تجعل منه فرحاً جذلاً، وهذا القول ليس صحيحاً على إطلاقه، فليس كل علاقة رجل بامرأة قائمة على حب حقيقي، فقد يكون حباً خالصاً وقد يكون حباً وعشقاً، وقد يكون عشقاً فقط، وهذا الأخير لا يعمر بيوتاً ولا يعالج قلوباً، وإنما هو كبيت العنكبوت أو هو أوهن، فالحب الذي يعمر القلب قبل البيت هو ما اقترن بعشق حسي ومعنوي يرقى بصاحبه لدرجات الكمال في العلاقة ويسمو بهما سمواً مشرفاً، أما الحب المجرد فهو ما أعتقد الوارد في القرآن الكريم في قوله تعالى : {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}، فالحب فقط هو المودة - والله أعلم - أما الحب المقترن بالعشق فهو الدائم وهو ما يمكن أن نطلق عليه الحب الأصيل.
يعجبني كلما تكلمت في هذا الموضوع قول القائل:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب إلا للحبيب الأول
وما ذاك إلا لأنه يتصف بالنبل والوفاء، وهاتان الصفتان من أجمل ما يمكن أن يتصف بهما إنسان، في هذا الزمن بتنا نفرح كثيراً إذا وهبنا الله صديقاً وفياً نبيلاً مخلصاً، فذلك من أجل المكاسب وأنفسها.
لنشيع الحب فيما بيننا صافياً نقياً صادقاً، لنعيش عيشة هنية صافية من كل حقد أو ضغينة تفضي إلى قلوب مريضة يصعب على أمهر الجراحين علاجها، ليكن شعارنا دوماً الحب، وأن لا نزيف مشاعرنا ونخدع أول ما نخدع ذواتنا في إدعاء ما لا نملك من قلب صادق في حبه ومودته القائمة على شعور إنساني نبيل يعي معنى الحب ويقدر التضحية في هذا السبيل.
لنكون محبين لأنفسنا أولاً بنفعها بصالح القول والعمل الذي يقربنا إلى الله، ولنكن محبين لمن حولنا من أصدقاء وأقرباء محبة تفضي إلى الصدق والإخلاص ومحبة الخير لهم، وعلينا أن نستشعر ماذا يعني أن تكون في قلب امرأة تحبك وفي قلبك امرأة تحبها، لنكن صرحاء مع هذا الحب الذي هو نعمة من الله يعمر القلوب ويطمئن النفوس ويشيع الراحة وينثر البهجة الحقيقية.
الحب أيها الرجال والنساء نعمة من الله كبرى، فلا تحرموا أنفسكم هذه اللذة بقلوب مهمومة متحسرة على ما فات، فليس ثمة شيء يفوت ما دام الإنسان يحمل قلباً صافياً وروحاً محبة للجميع.