لم يكن يوم الجمعة الماضي الحادي عشر من شهر مارس ذكراه طيبة عند اليابانيين، فقد استفاقوا على هزة زلزالية قوية قدرت ب8.9 على مقياس رختر، وأدت هذه الهزة إلى حدوث تسونامي على الساحل الشمالي الشرقي لليابان حيث قدر ارتفاعها حوالي عشرة أمتار، وكان
أثر هذا الزلزال والتسونامي عنيفا جداً إذ خلّفا خسائر بشرية قدرت بالآلاف من القتلى والجرحى، ونصف مليون مشرد، بخلاف الخسائر الاقتصادية التي قدرت بأكثر من مليار دولار، كما أحدث هذا الزلزال انفجاراً هائلاً في أحد المفاعل النووية مما تسبب في احتراق جزء منه، وتسبب ذلك في تسرب بعض الإشعاعات النووية مما جعل العالم يدركون مدى خطورة هذا المفاعل وما سوف يسببه من خطر عليهم، وقد عُد هذا الزلزال من أشد الزلازل التي ضربت اليابان منذ ما يقارب المائة والأربعين سنة.
وموقع اليابان الجغرافي مهدد دائماً بحدوث الزلازل والبراكين فقد شهدت اليابان في الأعوام السابقة زلازل عنيفة ومدمرة كان أخطرها: زلزال طوكيو الذي وقع في أول مارس من سنة 1923م، ويعرف هذا الزلزال باسم «زلزال سهل كانتو» حيث عُد هذا الزلزال من أشد الزلازل التي حدثت في القرن العشرين حيث بلغت درجة هزته 8.3 على مقياس رختر، وقد خلف هذا الزلزال دماراً هائلاً بسبب ما أحدثه من حرائق كثيرة؛ لأنه وقع أثناء إعداد اليابانيين لغدائهم، فمات في طوكيو حوالي (100 ألف شخص) وفي يوكوهاما (27 ألف شخص) والجرحى تجاوزوا المائة ألف.
وقد حدثت زلازل مروعة في أنحاء العالم راح ضحيتها مئات الآلاف من القتلى، كان أشهرها زلزال (شانشي) والذي ضرب الصين عام 1556م، وتسبب في وفاة حوالي (830) ألف قتيل، ويأتي بعده الزلزال الذي ضرب الصين أيضاً عام 1976م، وراح ضحيته حوالي (242) ألف قتيل، والزلزال الخطير الذي ضرب أندونيسيا عام 2004م، وأحدث معه تسونامي وراح ضحيته أكثر من (230) ألف قتيل، وكذلك زلزال هاييتي الذي وقع سنة 2010م، يُعد أيضاً من الزلازل القوية والمدمرة التي حدثت حيث تسبب في مقتل (230) ألف شخص.
والزلازل تُعد من أخطر الكوارث الطبيعية بسبب ما تخلفه من أضرار جسيمة بالأرواح والمدن والمنشآت خلال ثوانٍ وجيزة، وهي ظاهرة طبيعية عبارة عن اهتزازات أرضية سريعة تقابل بارتدادات تسمى «أمواج زلزالية» بسبب تكسر الصخور وإزاحتها.
ومن خلال المشاهدات المروعة التي رأيناها عبر شاشات التلفاز للزلازل التي حدثت في اليابان فإننا نقف أمام قدرة الله عز وجل، تأملاً وخوفاً، فشاهدنا السفن في البحر وكأنها ألعاب من ورق، وكذلك الطائرات الجاثمة في أرض المطار كأنها دمى خفيفة تتمايل من جهة إلى أخرى جراء تلك الهزات الأرضية، ويصبح الإنسان أمام هذه القدرة الإلهية مخلوقا بشريا صغيرا لا حول له ولا قوة.
وبمقارنة سريعة بين الزلزالين الذين حدثا في اليابان في بداية القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين لوجدنا أن هناك بونا شاسعا في عدد الوفيات رغم الفارق بينهما في قوة درجة الهزات الأرضية، وهذا يبدو بسبب تقدم العلم وتطوره في مجال البناء المقاوم للزلازل، حيث ابتكرت اليابان خرسانات مرنة تكتسب قوة كلما تعرضت للتصدع، وتحتوي هذه الخرسانة على ألياف كيميائية بسُمكْ شعر الإنسان يشيع استخدامها في تصنيع إطارات السيارات، ودور تلك الألياف أنها تزيد من تماسك الخرسانة وتحول دون اتساع الصدوع أثناء وقوع الزلازل.
وأسهم استخدام اليابان لهذه الخرسانات في مبانيها ومنشآتها بتقليل الخسائر في الأرواح خلال وقوع هذا الزلزال، وكذلك تعاملهم المتقن مع مثل هذه الزلازل المدمرة بسبب تعودهم على التصرف مع هذه الأخطار، ولليابانيين تجربة قوية في تحمل المآسي والأخطار خاصة بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية وضرب الولايات المتحدة الأمريكية مدينة نكازاكي وهيروشيما اليابانيتين بالقنبلة الذرية حيث تمكنوا من النهوض بعد هذه الهزيمة بعزيمة وهمة أقوى من السابق وذلك في خلال أربعة عقود وهذا يُعد دليلاً على قوتهم وتحملهم على مواجهة مثل تلك المصاعب.
ومن وجهة نظري أن هذا الزلزال لو حدثت في مكان آخر من العالم حتى ولو في أمريكا لكانت الخسائر البشرية بمئات الآلاف من القتلى والجرحى.
ويا ترى كم من المدة سوف يحتاجها اليابانيون لإعادة ما دمره هذا الزلزال والتسونامي؟ إنهم بالفعل أصحاب إرادة وقوة وعزم في مواجهة مشاكلهم سواء كانت طبيعية أو سياسية.
حمى الله بلادنا وبلاد المسلمين شر الزلازل والبراكين وأدام الله عليها استقرارها ونماءها.