كان من أوائل الملتحقين بإدارة الآثار والمتاحف بعد تخرجه من جامعة الملك سعود، وشارك في أعمال المسح الأثري وأعمال التنقيب في المراحل الأولي لبرنامج المسح الأثري الشامل، وتحصل على بعثة دراسية من وزارة المعارف إلى الولايات المتحدة الأمريكية للتحضير لدرجة الماجستير، وقدم بحثاً عن العمارة التقليدية في منطقة القصيم، وعاد لمتابعة عمله في إدارة الآثار بعد أن أصبحت وكالة مساعدة بقيادة زميلنا الدكتور عبد الله حسن مصري، فشارك ورأس بعثات أثرية متفرقة إلى مختلف مناطق المملكة واكتسب خبرة ميدانية ومعرفية واسعة بمشاهداته، وإعداده للتقارير العلمية والإدارية والفنية، واحتكاكه بالخبرات الأجنبية والعربية في مجال الدراسات الأثرية، وحقق بذلك ثقة المسؤولين في الوزارة مما أهله للحصول عي بعثة لاستكمال دراسته العليا فنال درجة الدكتوراه من جامعة ليدز البريطانية وتحصل على شهادة الدكتوراه في موضوع عن آثار المنشآت المائية على طرق الحج من الشام ومصر. باشر عمله في وكالة الآثار بكل دأب ونشاط وتنقل في عدد من الإدارات ومنها مديراً عاماً للآثار ومديراً عاماً لمركز الأبحاث ثم مستشاراً لوكيل الوزارة للآثار والمتاحف وحتي تقاعده عن العمل الوظيفي. تم تكليفه برئاسة فرق علمية عديدة للقيام بأعمال مسحية مركزة في عدد من المناطق ومثّل المملكة في مؤتمرات وندوات في الداخل والخارج. ويكفي الباحث أن يطّلعْ على أعداد حولية الأطلال السعودية ليكتشف حجم الأعمال والجهود التي قام بها. حقاً لقد كان هو وزملائه الأوائل على مستوى المسؤولية حيث عملوا على مدى سنوات وفي ظروف صعبة يجوبون مناطق المملكة، يحددون المواقع الأثرية ويوثقونها ويتابعون المحافظة عليها وتسييجها حتى لا تصلها التعديات أو تكتسحها الامتدادات العمرانية ومشاريع التنمية الشاملة، وكان مع الرعيل الأول في جهاز وكالة الآثار يدافعون عن تراث المملكة بالرغم من معرفتهم بالظروف والتحديات التي واجهها النشاط الأثري لدرجة أنهم في فترة زمنية بدأوا يشعرون بالإحباط واليأس، لكنه كان دوماً متفائلاً على الرغم من المآخذ الكثيرة على أداء وكالة الآثار والمتاحف والتي لا يعرف أسبابها سواه ورفقاء دربه الأوفياء. تبين لي ذلك عن قرب عند انتقالي من جامعة الملك سعود إلى وزارة المعارف في عهد معالي الوزير محمد الرشيد، وعلى مدى قرابة عشرة أعوام كان صديقنا خير معين وناصح، ولم يبخل عليّ في يوم من الأيام بالرأي والمشهورة وتنبيهي لقضايا حساسة، مشافهة أو مهاتفة أو كتابياً، وكان في كثير من المواقف وبحكم خبرته الطويلة في وكالة الآثار يرشدني بمصداقية متناهية إلى مكامن القوة والضعف لدى منسوبي الوكالة والعاملين في إدارات التعليم في المناطق والمحافظات وفي القرارات والمبادرات التي كانت تنفذها وكالة الآثار.
أنه هو الأخ والزميل الدكتور إبراهيم بن محمد بن صالح الرسيني -طيب القلب- الذي وافاه الأجل مساء الأحد22 ربيع الثاني 1432هـ(26 مارس 2004م) فلقد عرفته لسنوات طويلة، صدوقاً وخلوقاً، لا تمل صحبته لما تحتفظ به ذاكرته من قصص وأدبيات التراث المحلي وأحاجي وألغاز، ونوادر من التراث العربي القديم.
كان -رحمه الله- على موعد للتكريم مع كوكبة من الآثاريين على مستوى مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الإمارات العربية المتحدة لكن القضاء والقدر كان سباقاً فيوارى الثرى في يوم التكريم. وكأنه كما قال تعالى «مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ «،وبهذا وإن فاته التكريم في حياته فإن الأمل عند الله سبحانه وتعالى أن يسبغ عليه الطمأنينة والرحمة والمغفرة وأن يجعله في جنات النعيم مع الشهداء الأبرار.
حُكْمُ المنيّةِ في البريّةِ جَارِ
ما هذه الدٌنيا بِدارِ قَرارِ
عزاؤنا لأهله وذويه ولكل أصدقائه ومحبيه في وفقده، وستبقى ذكراه العطرة في قلوبنا ما حيينا. رحمك الله يا أبا محمد وإنا لله وإنا إليه راجعون.
د. سعد بن عبدالعزيز الراشدalrashid.saad@yahoo.com