رحلتَ! وكم في الموتِ راحة مؤمنٍ
وبشرى لقلبٍ صادق العزم مُسلمِ
وغِبتَ عن الساحات! كانت نديةً
بجودكَ من علمٍ غنيٍّ ومُلهمِ
عطاؤك ممدودٌ وقلبك عامرٌ
على حسن آمالٍ وصدق توسُّمِ
يمانيُّ أحكامٍ محمَّدُ سيرةٍ
وعبدٌ إلى الرحمن صافي التَّنسُّمِ
تنقّلت ما بين الميادين كُلِّها
بنصح وفيٍّ من فؤادكَ مُحكمِ
وكنتَ أخا ودٍّ وعهدُكَ صادقٌ
على طيبِ برٍّ من نَداكَ مُعمَّمِ
سلاحُك إيمانٌ وعلمٌ وعزمةٌ
تشقُّ به دربًا إلى خير مَعْلَمِ
عرفتُكَ في الميدان فارسَ جولة
وخُطةَ عدلٍ من فؤادك مُلزمِ
علوت بأخلاقٍ وطيبِ سجيَّة
وحِكمةِ تدبيرٍ على الحقِّ مبْرَمِ
وفيّاً! غنيّاً بالوفاء على تُقىً
ونهجٍ من الإسلام أغنى وأحكم
صدقتَ مع الرحمن عهداً وسيرةً
وفي كلِّ ميدانٍ نزلت مُيَمَّمِ
جمعتَ فأوفيت المحاسِن فارتقتْ
بذكِرِكَ ساحٌ بالثناء المكرِّمِ
وكانت يدُ الإحسانِ منكَ غنيةً
لكل فقيرٍ أو ضعيفٍ ومُعْدَمِ
وتَمسَحُ عن عينِ الحزين دموعَه
فيعلو محيَّاه جميلُ التبسُّمِ
ويهنأ قلبٌ بعدَ طولِ أسىً به
ويسعد في عيشٍ أبرَّ وأقومِ
عرفتكَ في الميدان صاحب عزمةٍ
إذا جلَّ أمرُ كنت أسرَع مُسْهمِ
وكنتَ مع الحقِّ الذي هو صادقٌ
فتُنجِد مظلوماً برأيٍ مُحكَّمِ
وكنتَ وزيراً! يا لعدل وزارةٍ
أقمتَ! وإعلام بنيتَ مُصمَّمِ
وأرشدتَ من تاهت خُطاه فأُصْلِحتْ
أمورٌ بحقٍّ من رشادِكَ أحْزمِ
رشادْك بالإيمان ماضٍ مسدَّدٌ
فَنِلتَ من الطاعات أوفر مَغْنمِ
صلاتك إيمانٌ وسعيك طاعةٌ
وصومُك إِقبال على البرّ فاسْلَمِ
مُربٍّ وأستاذٌ تفيضُ بحكمةٍ
فتُنشِئ أجيالاً على خير مَعْلَمِ
رحلتَ وخلّفتَ الديارَ يعمُّها
وجومٌ وحالاتُ الأسى والتَّجَهُّمِ
تَساءَلُ أين الفارسُ الشهمُ بيننا
ليملأَ من نادٍ وساحٍ ومَوسِمِ
وظلَّ على الساحات ذكرُك عاطراً
كأنك تُلقي من حديثٍ مُقَدَّمِ
كأنك لم ترحل عن الساحِ! كُلَّهم
بذكرِ وفاءٍ من ثناءٍ مُؤَسَّمِ
هو الموتُ يطوي الخَلْقَ طيّاً ليُبعَثوا
إلى دارِ إحسانٍ وحقٍّ مُعَلَّمِ
قضاءٌ من الرحمن حقٌّ وغايةٌ
إلى عالمٍ حقٍّ أجلَّ وأقّومِ
موازينُ قسطٍ ليس تُظلم عندها
نفوسٌ ولا تُخفى حقائقُ مَعْلَمِ
هو الله ربّ العالمين وخالقٌ
لمشهدِ كونٍ أو لغَيْبٍ مُكتَّمِ
وما هذه الدنيا سِوى دارِ فتنةٍ
ودارِ ابتلاءٍ للنفوس مُحَتَّمِ
فيا ربِّ فاجعل قَبرَه روضةً بها
هناءةُ مثوى في رِضَاك مُيَمَّمِ
ويا ربِّ فابعثه إلى جنَّةِ الرضا
ومنزلِ إحسانٍ هناك مُنعَّمِ
د. عدنان علي رضا محمد النحوي