من أخبار يوم السبت 22-4-1432 هـ (27-3-2011م): أجرى الرئيس اليمني ثلاث جولات من المفاوضات مع زعماء المعارضة. وقالت مصادر: إن المفاوضات جرت برعاية أمريكية وتم بعضها في حضور السفير الأمريكي في صنعاء جيرالد فايرستاين. انتهى الخبر.
لاحظوا أن الطرفين، الرئيس المتشبث بالسلطة والمعارضة التي تطالبه بالرحيل متفقان على الرعاية الأمريكية للمفاوضات. قبل أسبوعين فقط قال الرئيس اليمني: إن المعارضة المطالبة برحيله تدار من مكاتب في تل أبيب و واشنطن. لاحظوا أيضا أن المفاوضات لم يحضرها أي طرف من أي بلد عربي أو إفريقي أو آسيوي.
علاقة العرب خصوصاً والمسلمين عموماً بالغرب ملتبسة ومليئة بالنفاق والانتهازية من كل الأطراف. العرب يقولون: إن الغرب استعمرهم ونهبهم وأهان ديانتهم وحضارتهم لعدة قرون. يقولون أيضاً إنه هو السبب في تخلفهم لأنه يتآمر ضدهم ويسرقهم ويشغلهم في نزاعات من كل لون لإبقائهم متأخرين. هم يقولون أيضا أن الغرب هو الذي دبر لهم نوعية حكامهم وحافظ على بقائهم بجمع المعلومات الاستخباراتية والمشاركة في قمع أي حراك تقدمي على امتداد الرقعة الجغرافية العربية. لا يمل العرب أيضا من التذكير حتى في مناهجهم الدراسية أن الغرب هو الذي أوجد اسرئيل كقاعدة متقدمة لخدمة أغراضه الاستعمارية في المنطقة العربية. هذه الأقوال مجرد غيض من فيض مما يجاهر به العرب بحماس صادق أوكاذب عن علاقتهم الملتبسة بالغرب.
إنما هذا هو الوجه الأول لشريط التسجيل عن العلاقة العربية الغربية، لكن الشريط له وجه آخر. على ذلك الوجه نسمع أصوات مختلف الأنواع من المعارضة ضد الغرب و ضد الحكومات العربية تصول وتجول، ليس من بلدانها أو من بلدان الجوار، ولكن من العواصم الغربية.كل أنواع المعارضات الدينية الإسلامية، السنية منها والشيعية، وكذلك القومية والبعثية والاشتراكية والشيوعية والإقليمية الانفصالية، وكل ما يخطر على البال من أنواع التحريض على الغرب و عملائه نسمعه على الوجه الآخر من نفس الشريط.رغم ذلك تتكرر دائما المناسبات التي تطلب فيها معارضة عربية ما من الغرب أن يتدخل في الشؤون العربية على طريقة أيها الغرب أنقذنا من عميلك و جئ لنا بعميل آخر، أنقذنا من هذا الظالم الفاسد وأسعفنا بظالم جديد.
في السنوات العشرالأخيرة وصلت الأمور إلى تفاخر المعارضات العربية بالاصطفاف خلف جنود الأطلسي لغزو بلدانها والإطاحة بالحكومات لاستلام مقاليد الأمور في البلد وإدارتها بنفس الشروط وبنفس المواصفات القديمة. عندما غزا نظام العراق السابق جارته الكويت استنجدت الكويت ودول الجوار بالغرب، وكان ذلك للأسف مبررا بفارق القوة العسكرية و بعجز العرب وبغزو دولة لأخرى، وكان التبرير معقولا في السياق المنطقي لإدارة شؤون العالم. ذلك الموقف الأخلاقي في حينه استغله الغرب لإحكام الطوق، ليس على كادر الحكم في العراق فقط بل على كل العراق. النتيجة كانت أن مئات الآلاف من أطفال العراق ماتوا بسوء التغذية والأوبئة بينما استمر الكادر الحاكم يتمتع بكل امتيازات العيش الرغيد، وكان الثمن الرهيب هو النفط الذي يحتاجه الغرب، ولكن مقابل ماذا؟. مقابل بعض الغذاء بالقطارة ولم يكن ذلك كافيا لمنع وفيات الأطفال بمئات الآلاف بسبب الجوع والأمراض الفتاكة. حين نضجت التفاحة العراقية وأصبح سقوطها في يد التحالف الغربي مع طيف المعارضة العراقية حتمياً هجمت الجيوش الأطلسية وخلفها فلول المعارضة العراقية المحرضة على غزو بلدها. في النهاية المحزنة أخذ الغرب التفاحة والشجرة بكاملها وترك من استنجدوا به ليقتل بعضهم بعضا.
اليوم يقود التحالف الغربي (مدعوا مرة أخرى) فلول الثائرين العرب في ليبيا ضد دكتاتوركريه مجنون أتى به الغرب إلى كرسي الحكم. تحمل الغرب شطحات القذافي قرابة نصف قرن لأنهم كانوا يحصلون منه على ما يريدون، وحين انتهى الخوف من الدكتاتور عند شعبه وثار عليه تبنى الغرب قضية الشعب ضد الطاغية مستغلا حاجته إلى الحماية من مرتزقة الحاكم المجنون الذي انتهت صلاحيته. هل تسقط التفاحة الليبية الناضجة غدا في يد الغرب مثل التفاحة العراقية قبلها؟. يبدو هذا شبه مؤكد، لكن ماذا عن بقية التفاحات في الصندوق العربي؟.
المهزلة التراجيدية تتلخص في هزال وإفلاس العرب حكومات ومعارضات وشعوبا تجاه قضاياهم الإقليمية وعجزهم المخزي التام عن القيام بأي شيء يحفظ لهم شيئاً من الكرامة ناهيك عن الحقوق الوطنية والجغرافية والدينية الشرعية. ما أسعد الغرب بنواطيره الذين يعينهم ثم يقتلهم أو يعزلهم عندما تنضج الثمار.