استبشر العراقيون بما تحقق من وحدة وطنية ونبذ للطائفية من خلال انصهار العراقيين جميعاً في التجمعات والتظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها ساحات التحرير في بغداد والمحافظات الأخرى.
الذين تظاهروا في تلك المناطق صنعوا «ساحة تحرير» في كل محافظة، لأن ساحة التحرير في بغداد يتوسطها مجسم جداري معلق للفنان العراقي جواد سليم يجسد إرادة الشعب في تحدي الظلم والقهر، وهي أقدم جدارية في المنطقة العربية رفعت في وسط ساحة التحرير في منتصف القرن الماضي بعد ثورة تموز، وكانت الساحة واللوحة رمزاً ملهماً لكل من يخرج متظاهراً أو محتجاً لتسلط الطغاة، ولهذا فقد كانت ساحة التحرير حاضرة في كل تظاهرات العراقيين في السليمانية والبصرة والنجف والناصرية والمحافظات الأخرى. وقد استبشر العراقيون بأن مظاهرات الجمع المتتالية قد وحدت العراقيين ونبذت الطائفية ورمت بفتاوى المرجعيات خلف ظهورها بعد أن طالبتهم تلك الفتاوى بتعليق المظاهرات الاحتجاجية خوفاً من سقوط الحكومة الطائفية المتحالفة مع تلك المرجعيات وتفشل مخططات المحتلين الذين حظوا بمباركة تلك المرجعيات.
المظاهرات الاحتجاجية التي جاءت بجهود شباب الوسائط الاجتماعية الإعلامية الجديدة «الفيسبوك والتويتر والإنترنت» لم تكن بتوجيه ولا بفعل القيادات السياسية الطائفية التقليدية التي فقدت مصداقيتها، وكانت المطالب واضحة تختص بمعالجة القصور وتدني الأوضاع المعيشية والخدمية ومحاسبة الحكومات والمسؤولين الذين نهبوا ثروة العراق بعد تفشي الفساد، فأصبح أكثر من نصف العراقيين يعيشون تحت مستوى خط الفقر، في حين نهب القادمون للعراق (تحت عباءة الاحتلال) الثروات وأصبحوا من طبقة المليونيرات بعد أن كانوا يعيشون في الخارج على ما تقدمه دول الاستضافة من رواتب اللجوء السياسي.
هذه المظاهرات الاحتجاجية أرعبت الحكومة والأحزاب الطائفية والمرجعيات معاً لأنها تؤشر إلى عودة الوعي للعراقيين وانعتاقهم من هيمنة الثقافة الطائفية، ولهذا فقد وجد هذا الثالوث الطائفي فرصته من الإفلات من محاسبة العراقيين في الهروب إلى الخارج بعد تفجر الأحداث في البحرين وقام بتحويل أنظار العراقيين للخارج وإشغالهم في أمر لا علاقة لهم به، والتخلي عن الأهم وهو معالجة أوضاع الداخل، إذ عمل هذا الثالوث على إحياء الاستقطاب الطائفي ونجحت وللأسف الشديد مظاهرات الاصطفاف الطائفي في إجهاض مظاهرات عودة الوعي، وبدلاً من أن توقف عمليات نهب الثروة ومعالجة الفساد المستشري بين جميع المسؤولين انشغل الطائفيون العراقيون بما يجري في البحرين بدواعي الوقوف مع المضطهدين فيما تجاهل هؤلاء بما فيهم المرجعية نداءات المطالبة بالإصلاح ولم يسمعوا صراخ المضطهدين والرافضين للحكم الاستبدادي في إيران الذي تسبب في مقتل المئات من الإيرانيين الأبرياء.