كانت تُوجد لدي الرغبة في الكتابة عنه في حياته - رحمه الله - وإن كان لا يرغب ذلك، لكن قد يكون تكاسلي وانشغالي سبباً في ذلك، لأن هذه القامة الوطنية تُعتبر من الحالات الاستثنائية التي أعطت المواطنة حقها قولاً وعملاً ونزاهة، فهو عندما انضم إلى العمل في حقل التربية والتعليم لم يتقلَّد الهرم القيادي فيها في أول يوم تمَّ تعيينه في الوظيفة، بل مرّ بمنظومة التعليم كاملة (مدرس ومدير وموجه ومدير تعليم ومدير امتحانات ومدير عام لوزارة المعارف ومن ثم وكيل وزارة مساعد لشؤون التعليم ومن ثم وكيل وزارة للشؤون الثقافية)، هذه المنظومة أسهمت في تكوُّن خبرات استثمرها في أن يكون له حضور مع رجال التعليم لتطويره، وكان من القامات المتميزة التي عمل معها في ذلك الوقت الملك فهد بن عبد العزيز أول وزير للمعارف في المملكة العربية السعودية الذي في عهده برز التعليم بشكل متطور ومنظم، وهذا ما حدَّثني به الشيخ إبراهيم - رحمه الله - عن عمله في وزارة المعارف وقت تقلّد الملك فهد وزارة المعارف يقول عنه إنه يدعم بلا حدود ويُحارب البيروقراطية والمركزية، فالتعليم همّه الأول ويذكر بهذه المناسبة أنه عندما كان معتمداً للتعليم بمنطقة الرياض يقول: دعوته لحضور حفل تقيمه المدرسة النموذجية بالرياض، لكن ظرفاً حال دون حضوره، وأناب عنه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، وكنت أهدف من حضوره إطلاعه على تفعيل النشاط المدرسي وجعله في درجة معطيات المنهج الدراسي الذي يُفترض أن يلبي سوق العمل، حيث جعلنا هذه المدرسة أشبه ما تكون بورش صناعية، فجماعة من الطلاب يزاولون النجارة، وأخرى السباكة والبعض الكهرباء، وآخرون الغزل والنسيج وأعمال الديكور فيقول: عندما شرَّف صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز الحفل اندهش وقال: يا أخ إبراهيم هذا التعليم الذي نريد وتحتاجه البلاد، فقلت له هذا نشاط خارج المنهج فقال: لماذا لا يكون المنهج على هذه الشاكلة لأنه يهمنا أن يكون الطالب عنده الكثير من المهارات الحياتية، وبعد ذلك ودَّعنا سمو الأمير سلطان وهو يحمل ذكرى جميلة عن هذه الأمسية ويقول الشيخ إبراهيم: وفي أحد لقاءاتي مع الملك فهد بن عبد العزيز حدَّثني عن حفل المدرسة النموذجية الذي نقله له صاحب السمو الملكي الأمير سلطان فقال لي: ماذا عملتم يا أخ إبراهيم أنت وزملاؤك في هذه المدرسة تمنيت من كثر ما نقله أخي الأمير سلطان أن أكون حاضراً معكم لأنني أبحث عن هذا النوع من التعليم، فالنشاط المدرسي يصب في خدمة التعليم فقلت له: ثق إذا كانت هذه نظرتكم للتعليم فإن التعليم بخير وسوف يتحقق ما تصبون إليه - بإذن الله -. أيضاً من المواقف الجميلة التي حدَّثني بها الشيخ - رحمه الله - يقول: عندما كنت مديراً للتعليم بالرياض أتى إليَّ طالب يرغب في أن يكون من طلاب اليمامة الثانوية فأعطيته تعميداً لمديرها ولم يقبله بحجة كثرة الطلاب وكثافة الفصول فقلت له: ضعه في (الدريشة)، واستجابة لذلك قبله وتمضي الأيام والسنون يقول: كان من عادتي حب رياضة المشي، فبينما كنت أمشي في شارع الجامعة (جامعة الملك سعود في الملز)، أتفاجأ بشاب يترجَّل من سيارته ويقوم بتقبيل رأسي ويطلب مني بإلحاح شديد إيصالي بسيارته إلى منزلي، ويعرفني على نفسه ويقول: أنا طالب الدريشة فتحدثت معه وعن مشواره الدراسي، وأخبرني بأنه تخرَّج منذ سنوات ويعمل في الجهة الفلانية وقد سرَّني ذلك. كذلك من المواقف التي عشتها مع الشيخ إبراهيم عندما كان وكيلاً لوزارة المعارف للشؤون الثقافية حبه الشديد لنشر الثقافة في المملكة من خلال دعم وفتح المكتبات العامة عندما كانت تتبع وزارة المعارف حيث إنه لا يتردد في ذلك إطلاقاً فقد تم فتح الكثير منها في القرى والمدن ويتم تزويدها بجميع مجالات المعرفة من كتب ودوريات وموسوعات وقواميس، أيضاً تفعيله للإهداء والتبادل من خلال تزويد الأفراد بأمهات الكتب وما يستجد في الساحة الثقافية ويحرص أن يختار الكتب بنفسه، حيث يطلب مني عندما كنت مأموراً لمستودع الإهداء في إدارة المكتبات العامة (دار الكتب الوطنية سابقاً) موافاته بقوائم المتوفر من الكتب للرجوع إليها في اختياره للكتب التي يتم إهداؤها للأفراد.
رحمك الله يا أبا خالد، وأسكنك فسيح جنته، وألهم أسرتك ومحبيك الصبر والسلوان، وجعل ما قدمت لوطنك وأمتك في موزاين حسناتكم إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، (وكانت وفاته يوم الأحد الموافق 8-4-1432هـ).
(*)مكتب التربية العربي لدول الخليج