أثبتت الأوامر الملكية الأخيرة والموجهة لتحقيق الرفاه الاجتماعي ومعالجة المشكلات الحياتية التي تحاصر المواطنين أن العيب ليس دائما في شح الميزانيات ونقص الإمكانات البشرية ولا في إصدار القرارات من القيادة العليا في الدولة فالحق أن القيادة السياسية دائما ما تبادر إلى إصدار الأوامر والقرارات وتضخ الميزانيات ,لكن تفاعل القيادة مع مطالب الناس وأمانيهم وسرعة إصدارها للأوامر لاتواكبه المستويات الإدارية الإجرائية بسرعة فهم نصوص الأوامر ومراميها وتفاصيلها وتفسيراتها والفئات المستهدفة وكأن بعض قيادات هذا المستوى يتعاملون لأول مرة مع مثل هذه الأوامر وهو ما يثير السؤال حول مدى فهمهم للوائح ومدى تطبيقهم لها روحا لا نصا ومستوى ثقافتهم الإدارية واستيعابهم للواقع من حولهم ونوعية الثغرات الموجودة في جدار الحاجات المجتمعية.
الأوامر الملكية صبت في أكثر من مجال واستهدفت رفع مستويات دخول الأفراد والإسكان والخدمات الصحية والتوظيف وإصلاح بيئة العمل ورمت الكرة في ملعب المسئولين التنفيذيين مع التأكيدات المستمرة من خادم الحرمين الشريفين بسرعة التنفيذ والحث على المبادرة وعدم التباطؤ.
المواطنون برغم فرحهم بالأوامر الملكية إلا أن خشيتهم تتزايد مع مرور الوقت من إطالة أمد التنفيذ وخاصة المشروعات الصحية ومشاريع الوحدات السكنية والتي ينتظر الناس سرعة تنفيذها وتثبيت موظفي البنود على وظائف رسمية وتعيينات المعلمين والمعلمات في مختلف التخصصات. خوف الناس يرتبط بمعرفتهم بواقع المستوى الإداري التنفيذي في الدوائر الحكومية والذي تضرب مفاصله البيروقراطية ويكبل حركته الروتين والمركزية بتسلسلها الهرمي الذي يطيل مسار الإجراءات مع وجود مسئولين لا يساعدون على تذليل تلك الصعوبات فمسئول جيناته بيروقراطية بحتة روتيني حرفي لا يمتلك الجرأة في اتخاذ القرار يخاف على منصبه أكثر من خوفه على الناس ومصالحهم يقف عند الكلمة الواحدة يوم كامل ليخرج بعد عدة أسابيع بتفسيرات أغلبها خاطئة فيفتح خطا مباشرا للاستفسارات والاستفهامات والاستنجدات حتى يضيع الوقت وتتعطل المصالح وتضمحل الفرحة والبهجة بالقرار الملكي.
ومسئول بطيء في التنفيذ وبما يؤدي إلى قلة الإنتاج والإنجاز إما لإهماله أولضعف مهاراته الإدارية فلا تمكنه قدراته من الفهم السريع والتفسير الصائب فيغرق في شبر ماء ويغرق المراكب معه. لا يستطيع البت إلا بعد أن يرفع المذكرات لمن هو أعلى منه فيستنفذ الورق الكثير والوقت الطويل والجهد الكبير ومثل هذا المسئول يترك المنصب بعد سنوات طويلة دون إنجاز يخلد اسمه.
ومسئول يطمح للإنجاز لكن يخذله النقص الشديد في الكوادر البشرية أو ضعف الكوادر الموجودة وقلة الاعتمادية على التقنية الحديثة قد تفاجأ أن هناك إدارات لا زالت تعمل حتى اليوم بالسجلات الورقية القديمة وإلى اليوم تحتفظ بما يسمى بالإرشيف الورقي والذي لا مكان له في عالم اليوم عالم السرعة والإنجاز على مدار الثانية.
المسئول المتفاعل واللماح والقارئ الذكي للقرارات والمستنبط لمضامينها الظاهرة والخفية والمبادر إلى التنفيذ الفوري نموذج يكاد يكون نادرا في مؤسساتنا الحكومية. عدد قليل من كبار المسئولين بادروا فور صدور الأوامر إلى تفسيرها للمواطنين وسارعوا للتنفيذ أما الأكثرية فلا زالوا يقلبونها بين أيديهم فلاهم فسروا ولا نفذوا ولا بثوا الاطمئنان للناس. مثل هذا الواقع يحتاج لإعادة نظر كي يحقق طموح القيادة والمواطنين.