أن تمضي زمناً مؤمناً أو معتقداً بشيء ما، ثم تكتشف فجأة أنك خُدعت بقصد أو بدون قصد... أمر يثير الحنق... فقد تتفاجأ يوماً ما أنك تعيش كذبة أو بمعنى أصح تحويراً للحقيقة أو حجب جزء كبير منها، بما يتناسب مع عصر أو فكر أو أيدولوجية ما إذا صح لي التعبير، أو فقط لجهل ناقل وكاتب المعلومة!.
وسوف أحاول وضعكم في نفس المكان الذي وقفت فيه... من خلال سؤالي التالي: عندما أطرح مصطلح "الفن الإسلامي" ماذا يعني لك؟ أعتقد أن الغالبية ستقول: "إنه فن نتج من الحضارة الإسلامية واعتمد على عناصر زخرفية وحروفية وعلى التقسيمات الهندسية الرياضية التي ميزته خصوصاً في مجال العمارة، بينما لا يتعامل مع العناصر الحيوانية أو الآدامية لأسباب دينية هي ذاتها التي جعلته يجرد النباتات لأشكال هندسية".
أتوقع أن تعريفي السابق للفن الإسلامي مماثل لما استحضرتموه حين سألتكم، وأشير إلى أنني لا أبحث هنا أو أتناول الموقف الشرعي أو موقف الإسلام من الفن، بل الهدف توضيح مصطلح ومفهوم لا أكثر، وهذا المفهوم تعرفت عليه من جديد هنا في الولايات المتحدة ومن خلال حضور العديد من محاضرات الفن الإسلامي، ومن خلال البحث في مصادر أولية متعددة، فكأنما هو مفهوم جديد لم أعهده سابقاً.
وقبل أن يتهمني أحد منكم بأني ضحية التغريب أو الأمركة، كما يُتهم كل من يأتي بعلم أو معلومة "جديدة" على المجتمع أو غير معروفة (وربما البعض يعرفها وربما أنا وحدي من يجهل!)، ما يهم هنا أود أن أوضح أن مصادري التي أوصلتني لهذه النتيجة إنما هي مصادر إسلامية وصور فعلية لمعالم وفنون تم توثيقها في عدد من المصادر والمتاحف، بل البعض منها لا يزال قائماً، وما وجودي هنا إلا فرصة أتاحت لي الوصول إلى هذه المصادر، بل لو كلف أحدهم نفسه عناء زيارة أي متحف للفن الإسلامي في أي عاصمة عالمية أو إسلامية لشاهد بنفسه نماذج لما سوف أتحدث عنه هنا، علماً بأن ما يصلنا من تلك الفنون هو نماذج مختارة يتم حذف أو إلغاء وحجب ما يعتقدون أنه غير مناسب لفكرنا الحالي!.
أعود إلى موضع الاختلاف بين ما كنت أعتقده وما وجدته فعلياً، فمن حيث إن مفهومنا عن الفن الإسلامي، أنه خالٍ من التمثيل الواقعي للإنسان أو الحيوان، فهو مفهوم خاطئ، فهناك الرسوم والتماثيل الآدمية والحيوانية والمنتشرة في عصور ومواقع ومدن إسلامية عديدة، والغريب أن الصورة المغلوطة لهذا الفن منتشرة وبكثرة حتى بين غير المسلمين، ربما بسبب قلة البحث العلمي في مجال الفنون الإسلامية سابقاً مقارنة بالفنون الأخرى كالكلاسيكية وفنون عصر النهضة على سبيل المثال، بل كان توضيح هذه الإشكالية هو المقدمة التي بدأت فيها البروفيسورة قولرو نجيبوقلو أستاذ تاريخ الفن الإسلامي في جامعة هارفرد محاضرتها هذا الفصل.
