كان شاعرُ الرومانسية الإنجليزيُّ «بيرسي شيلي 1792-1822م» متصالحًا مع ذاته؛ حين لم يعنه أن يعرف الأسباب العلمية التي تحرك القارب في البحر: هل هي بفعل الريح أم الماء؛ فما أيقظ داخله أحاسيسُ الرحيل والحنين والعبور، وكفاه ذاك ليفهمَ الإبحار الهانئ والبحث الهادئ؛ فمن يقيس وَفق قوانين الحركة موظفًا الكتلة والسرعة والمسافة غيرُ من يرى السفر والغروب والانتماء.
** والمثال يتجدد بمثال؛ فحين يتصدى لقضايا الثقافة من لا يميز الضاد من الظاء وهمزة الوصل من القطع والمرفوع من المجرور ويتبنى مواقفَ من التنوير بالتثوير فإنما يجبر مقابليه على استعارة رِجْل أبي حنيفة؛ فلا جسرَ واصلا بين التمكن والتكهن وبين المُعطين والمُبطين.
** وفي الإطار ذاته؛ فلدى جماهير كرة القدم مقدرةٌ نظرية على التحليل والتعليل ووضع خطة المباراة «الدِّربوية» وتفعيلِها وحسم النتيجة في الوقت الأصلي لأنهم متفرجون، وقد يَصْدُقون، لكنهم لا يعايشون الحقائق كما المدربين، وكذا يستطيع واحدُنا رسمَ خطط للتوجهات الإعلامية والجدوى الاقتصادية والتوازنات الاجتماعية دون أن يزعم لنفسه حظًا من الدراية والوعي.
** ليكن ذلك وفوقه؛ فالحديث متاح ومباح ولن تُقفل أبوابُه أمام العارف والهارف على حد سواء، لكنها أيامُ المحن والفتن يكثر فيها الكلام الجُزاف، وينكمش حديث العقل غير المعتقل، وننوءُ بأخطاء الحسابات غير الموزونة.
** يعزف كثيرون اليوم على الوتر الطائفي بوصفه أساسَ المشكلة، وهو كذلك؛ فقد أريد توظيفُه وسط دوائر الاحتراب المذهبي الذي دخلنا دوائرَه اللُّجيةَ منذ ثلاثين عامًا بعد حركة جهيمان «السنية» وثورة الخميني «الشيعية»، ولم نكن قبلها متشظين في العلن، وربما اكتفى المتعصبون في الفريقين بذكر مساوئ غيرهم دون توتير الأجواء الداخلية في مجتمع النسيج الواحد.
** أشار صاحبكم في كتابه (وفق التوقيت العربي) - وهو كتابٌ اعتنى بسيرة جيل لم يأتلف وصدر عام 2006 م - إلى أن رحلاتهم الطلابية كانت تنطلق من «عنيزة» وتختار سكنها في «القطيف» دون إثارة غبار أو رفع شعار، وكان القائمون على رحلات المركز الصيفي أفاضلَ من المشهود لهم ؛ فلماذا كنا واعين بما يجمع آنذاك، ثم أصبحنا محمومين بما يفرق اليوم، وقدرنا لم يختلف تحت سماء الوطن المتحد؟!
** اللوم على كلا الاتجاهين المملوءين بالمتعصبين الظاهرين والمستترين، والقنوات المحرضة والمعرضة؛ ما قاد التضاد المذهبي لمعارك بلا رايات؛ وما مكَّن «الكسرويين والقيصريين» أن يحيطوا بنا من الجهات الخمس.
** لن يقع فيما نهى عنه؛ فهو ليس متخصصًا في الشأن السياسي، لكنه يعرف أن العروبة تجمع العرب مهما افترقت ولاءاتُهم إلا حين تتجه لإيوان أو تستظل بعنوان، وحين يشب الحريق فإنه لن يفرق بين غرف البيت وساكنيه.
** كثيرون فينا مسكونون بالدفاع عن حقوق الأقليات؛ فليته يتم بكلتا العينين، ويلتفت إلى معاناة سنة إيران وعربها الشيعة، ولا عذر بقصور المعلومة؛ فمواقعهم تملأ الفضاء وواقعهم يُبكي الغبراء، وقد وعينا أن التطرف يلدُ تطرفا، والفارسي لن يكون عربيًا يوما، ودوره في التهييج الشارعي غيرُ مبرر، ولو رُدت الكرةُ لمرماه فسيصطلي باللهب.
** نقلُ الصراعات المذهبية والقبلية للشارع خطيئةٌ بحق الأمة؛ أقادها نائبٌ أم غاضب أم وسيلة إعلامية، ونأي العقلاء المتخصصين عن الحوار عَوارٌ وعِثار.
** الشارع لا يُشرِّع.