أشير في الحلقة السابقة من هذه المقالة إلى أن الحديث هنا سيكون عن الندوة التي أقامتها وزارة الثقافة والفنون والتراث القطرية، وعلى رأسها معالي الدكتور حمد الكواري، عن جائزة نوبل في الأدب والجوائز الأدبية العربية.
وقبل الشروع في هذا الحديث باختصار عن تلك الندوة تحسن الإشارة إلى أن الوزارة الموقرة أقامت، بمصاحبة الندوة، معرضاً لصور (بورتريهات) الفائزين بجائزة نوبل في الأدب من عام 2000م إلى عام 2010م من عمل الفنان إسماعيل عزام، كما طبعت ووزعت كتاباً متضمناً تقديماً جميلاً بقلم الدكتور مرزوق بشير مرزوق، مدير إدارة البحوث والدراسات الثقافية في الوزارة، فحديثاً وافياً كتبه البروفيسور كيجل اسبمارك، السويدي الجنسية، رئيس لجنة نوبل للأدب عن جائزة نوبل، تاريخاً ونظاماً وطريقة ترشيح واختياراً، فمحاضرات لأولئك الفائزين بالجائزة في تلك السنوات، وهم تسعة رجال وامرأتان، بمناسبة تسلمهم الجائزة.
وتسمى المحاضرة، التي يلقيها الفائز أو الفائزة، في تلك المناسبة: محاضرة نوبل. وقد ترجم كل ذلك إلى اللغة العربية الأستاذ عبدالودود العمراني، وراجع الترجمة الأستاذة وفاء التومي.
وإلى جانب ذلك الكتاب وُزِّع كتيب مشتمل على توطئة بقلم الدكتور مرزوق بشير مرزوق، فتعريف بالمشاركين في الندوة ثم ملخص لحديث كل واحد منهم.
وقد أُقيمت الندوة في مسرح الأوبرا بالحي الثقافي مساء يوم الاثنين السادس عشر من ربيع الآخر - الحادي والعشرين من مارس، بحضور لفيف من المتهمين بالأدب والثقافة، وكان ممن دُعي لحضورها من خارج قطر - إضافة إلى كاتب هذه السطور - الأستاذ راشد العريمي، الأمين العام لجائزة الشيخ زايد، والسيد عز الدين المدني، رئيس لجنة جائزة أبي القاسم الشابي.
ورأس الندوة الدكتور درويش العماري، مدير البحوث الاجتماعية والاقتصادية المسحية في قطر، وتحدَّث فيها البروفيسور كجيل اسبمارك عن جائزة نوبل، والأستاذ الدكتور شكري المبخوت، عميد كلية الآداب والفنون والإنسانيات بجامعة تونس، عن الإشكاليات الأدبية والثقافية والجمالية في الجوائز العربية، والأستاذ الدكتور محمد الكافود، وزير التعليم القطري سابقاً، عن الجوائز التقديرية والأدبية في دول مجلس التعاون.
وكان مما تناوله البروفيسور اسبمارك مسألة معايير الحكم على الأعمال المرشَّحة لجائزة نوبل، وما إذا كان لها طابع سياسي، وقضية كون تلك الأعمال باللغة السويدية أو مترجمة إليها. ومما أشار إليه بالنسبة للقضية الأخيرة بالذات أنه منذ ثمانينات القرن الماضي لم يعد ضرورياً ترجمة العمل المرشح إلى اللغة السويدية.
أما الدكتور المبخوت فتناول في حديثه جملة من القضايا والأسئلة حول الجوائز الأدبية العربية. ومما أشار إليه أن نتائج لجان التحكيم - في نظره - تُمثّل في الأغلب الأعم مصدر تساؤلات وارتياب؛ وذلك لأن النظرة الأيديولوجية لدى بعض أعضاء تلك اللجان - كما قال - لها أثرها الواضح في الحكم على الأعمال المرشَّحة.
أما الدكتور الكافود فمما ذكره في حديثه أن الأمم والحكومات أصبحت تركز على التنمية البشرية والاهتمام بالمبدعين باعتبارهم أداة التطور الحضاري؛ فأخذت الدول المؤسسات الرسمية والخاصة ترصد جوائز للإبداع والثقافة. وأشار إلى تنوع الجوائز من حيث كونها محلية، أو إقليمية، أو عالمية.
وفي ضوء تلك الندوة، أو صدى لها، استحسن كاتب هذه السطور أن يذكر شيئاً مختصراً عن جائزة الملك فيصل العالمية، التي يسعد بالقيام بأمانتها العامة منذ عام 1407هـ - 1987م. وهذه الجائزة ثمرة من ثمار مؤسسة الملك فيصل الخيرية، التي أنشأها أبناء ذلك الملك وبناته عام 1396هـ - 1976م. ففي العام التالي لإنشاء هذه المؤسسة تقرر أن تنبثق منها جائزة عالمية باسم الملك فيصل، وفي طليعة أهدافها تخليد اسمه، وتقدير رواد العمل الخيري والباحثين في المجالات المعرفية المختلفة النافعة للبشرية.
ولقد بُدئ منح تلك الجائزة عام 1399هـ - 1979م في ثلاثة فروع، هي: خدمة الإسلام، الدراسات الإسلامية، والأدب العربي. ثم أُضيف إليها فرعان، أحدهما في الطب، والآخر في العلوم، ووُسِّع فرع الأدب العربي ليصبح اللغة العربية والأدب؛ فأصبحت تمنح في خمسة فروع. وقد فاز بها من بداية منحها حتى الآن 216 فائزاً من أربعين دولة، بما في ذلك خمس جهات أو هيئات خيرية في فرع خدمة الإسلام بالذات؛ فقد فاز بها في فرع خدمة الإسلام 33 فائزاً من 20 دولة، وفي الدراسات الإسلامية 30 فائزاً من 13 دولة، وفي اللغة العربية والأدب 42 فائزاً من 13 دولة، وفي الطب 55 فائزاً من 11 دولة، وفي العلوم 42 فائزاً من 11 دولة أيضاً.
ومن الجدير بالذكر ما يأتي:
1 - أن للمرأة دوراً واضحاً في مسيرة الجائزة، مُحكِّمة، وفائزة، ومشاركة في لجان الاختيار، التي لها وحدها الكلمة في منح جائزة أو حجبها؛ فقد فازت بها تسع نساء، أربع في الأدب العربي، وأربع في الطب، وواحدة في الدراسات الإسلامية.
2 - أنه لا يوجد للجائزة مجلس أمناء كما هو موجود في بعض الجوائز، بحيث يمكن أن يكون لآرائهم، أو مواقفهم الخاصة، تأثير في منح الجائزة أو حجبها، بل إن الكلمة - كما ذُكر سابقاً - للجان الاختيار العلمية المتخصصة في مجال الموضوعات المعلنة كل عام.
3 - أن الترشيح للجائزة لا يُقبل إلا إذا كان من مؤسسات علمية كالجامعات ومراكز البحوث، ولا يُقبل إلا إذا كان قد سبق نشره، وكان وفق الموضوع المعلن، وفي الوقت المحدد لقبول الترشيحات.
4 - أن للجائزة ريادة في تقدير الروَّاد من علماء العالم، وبخاصة في فرعي الطب والعلوم، ومن الأدلة على ذلك أن 15 ممن فازوا بها في أحد هذين الفرعين فازوا - بعد نيلها - بجائزة نوبل على العمل الرائد نفسه الذي نالوها عليه، وأن آخرين غيرهم فازوا بجوائز رفيعة شبيهة بجائزة نوبل بعد نيلها إياها.
أما خطوات الترشح للجائزة فهي كما يأتي:
تتكون كل لجنة من لجان الاختيار في الفروع العلمية الأربعة للجائزة من متخصصين مختارين من داخل البلاد وخارجها بناء على ترشيحات مؤسسات علمية داخلية وخارجية. هذه اللجان غير دائمة، بل تتكون كل عام في ضوء موضوع الجائزة المعلن. وعادة ما يكون عدد أعضاء كل لجنة من هذه اللجان تسعة، بينهم خمسة أو أربعة متخصصون في الموضوع الدقيق المعلن للترشيح وفقه، ويكون لعمل اللجنة جانبان: الأول تقرير منح الجائزة أو حجبها بناء على تقارير الحكام، الذين درس كل واحد منهم الترشيحات على انفراد دون علم بأسماء الحكام الباقين، واعتماداً على معرفتهم العلمية المتخصصة. والثاني اختيار موضوع الجائزة في السنة التالية لاجتماع تلك اللجان بناء على ما يعتقد أولئك الأعضاء أن هناك في الساحة أعمالاً رائدة فيه.
ويبدو - من خلال ما اتضح من ريادة للجائزة في تقدير رواد العلم، كما أشير إليه سابقاً - أن السيرة التي تسير عليها الجائزة موفَّقة. على أن المسؤولين فيها يسعدون دائماً بآراء من لديهم آراء من شأنها أن تزيد مسيرتها توفيقاً وتطوُّراً.