«ساهر»، أو نظام ساهر كما يسميه مبتكروه، جمع لكلمة نظام وكلمة ساهر، نظام سهر فيه الناس واختصموا. وقد تُفهم عبارة «نظام ساهر» على أن النظام ساهر اليقظ، أو أنه نظام من يسهر على سلامة الناس. وهو نظام منضبط إلكترونياً بأكثر من طاقة أي من البشر،
و يعمل بعدسات تعمل بشفافية استثنائية لضبط مخالفة السائقين على مجرد تجاوز خمسة أو عشرة كيلوات من السرعة المحددة، وهو بدون منازع أكثر الأنظمة إثارة للجدل في المملكة. فلا يوجد من لم يضبطه ساهر إلا من أوقف سيارته ولم يخرج بها للشارع منذ بدء تطبيق هذا النظام.
هذا النظام أقام الدنيا ولم يقعدها لعدة أسباب، لعل من أهمها تطبيقه المفاجئ بدون مقدمات أو تدرج، كما أن أسلوب تحصيل مخالفاته يعتبر مبتكراً حيث ربط بهواتف السائقين بشكل مباشر يحيطهم علماً بها وكأنه يبشرهم بخبر سار، ولا يعادل سرعة رصد المخالفات إلا سرعة مضاعفتها بعد عدة أسابيع من إرسالها بشكل آلي لا يفرق بين قادر وغير قادر. فالنظام بني على مفهوم نقل السائقين بشكل مفاجئ من منتهى الفوضى إلى منتهى الانضباط بأسلوب الصدمة المالية لجيوبهم، والمثل يقول: مس قلبي ولا تمس رغيفي. ولا شك أن هذا النظام قد كسر رقم «قينيس» العالمي في عدد تسجيل المخالفات في وقت قصير، بسبب الانفلات في شوارعنا، و لبراعته في إخفاء الكاميرات في شوارع مجهولة السرعة أو ذات سرعة منخفضة عن السرعة المعتادة، أو في عربات تتنقل وتصف على قارعة الطرق وتتربص بالمخالفين خلف الأشجار وفي المنعطفات ووجود كاميرات ترصد السير في صناديق على جوانب الطرق أمر معتاد في كثير من الدول، ولكن غير المعتاد هو عدم وجود لوحات تنبيه بجوارها، بحيث تكون في علاقتها مع السائقين أشبه بالألعاب الإلكترونية.
وقد استبسل أحد المسئولين عن النظام في الدفاع عن النظام بحجج عدة منها حماية أرواح الناس، وكذلك القول بأن المخالفات المالية هي الوسيلة الأنجع لردع السائقين في مجتمعنا، وبأن النظام إلكتروني أصم لا يستثني أحد ولا تستطيع الواسطة الوصول إليه، وجميعها مبررات مقبولة لكنها لا تشفع لرجال المرور وقوفهم عند الإشارات موقف المتفرج من جميع المخالفات الأخرى. فالسرعة ليست هي المخالفة الوحيدة التي تشكل خطراً على أرواح المارة والسائقين معاً. والآلة لا يمكن أن تحل محل الإنسان مهما تطورت، وليت نظام ساهر يزود بكاميرات إضافية لمراقبة سيارات المرور الواقفة عند الإشارات بدون حراك، أو أن ترصدها عندما تخالف.
وكان المسئول جزاه الله ألف خير في غاية الشفافية فيما يتعلق بتوعيتنا بخطورة السرعة علينا، وزودنا بمجموعة كبيرة من إحصائيات الحوادث، والوفيات، والإصابات في المستشفيات التي سببتها السرعة في ظل غياب ساهر، والإحصائيات ذاتها بعد تطبيق ساهر الذي أنقذ آلاف الأرواح، وحقق الأمن والأمان المروري. وقد كان سعادته مقنعاً في معظم ما قاله، إلا أنه كان أقل إقناعاً عندما تطرق لقيم المخالفات أو مضاعفتها، لأنه وببساطة لا يمكن، بأي حال من الأحوال، إقناع من يدفع مخالفة بأنها مخالفة عادلة. ولكن وبدون أدنى شك، فإن الجميع يشكر لسعادته حماسته في سعيه لكبح جماح السرعة. و يشكر له أيضاً محاولته توعية الجمهور بتطوير الأساليب الإلكترونية في ضبط المخالفات المرورية، وهذا يدل على حرصه على متابعة التطور في هذا المجال. ولكن وللأسف تبقى بعض جوانب النظام نهباً للشائعات لأنه لم يتم التطرق لها بالشفافية ذاتها.
إذ يتناقل الناس إشاعات عن إعفاء بعض الفئات القليلة من هذه المخالفات دون أن يفهم من ذلك أن هذا تصريح لها بالسرعة، وهي إشاعات لم تجد من يبددها. فالنظام في عهد أبو متعب، أطال الله عمره، لا يستثني أحد، وقرارات الأنظمة جميعها التي صدرت مؤخراً نصت بشكل صريح على عدم استثناء أحد حتى ولو كان من منسوبي المرور.
وما يحتاج المواطن أن يعرفه أيضاً، تمشياً مع توجيه خادم الحرمين الشريفين- حفظه الله- بالتزام الشفافية والنزاهة في كل أمر يمس المواطن، هو كيف نشأت فكرة النظام؟ وكيف حددت المخالفات بهذه القيم؟ ومن هي الجهة المشغلة له؟ وهل هي جهة حكومية مرورية؟ وهل طرح النظام في مناقصة؟ وما هي الجوانب المالية المحيطة المبالغ المحصلة؟ فالأمور الحسابية الأولية توحي بأن هذه المبالغ ليست مبالغ صغيرة.
ويحتاج المواطن أيضاً أن يعرف بالضبط حجم المخالفات المضبوطة في جميع أنحاء المملكة حتى الآن، وكم تبلغ قيمتها المالية؟ فالنظام مضبوط إلكترونياً، وجميع الإحصائيات المتعلقة بعدد المخالفات، ومواقعها، وقيمها، ومن ارتكبها، و إجمالي قيمها، لا تحتاج لأكثر من كبسة زر في هذا الجهاز الإلكتروني الحديث جداً لتخرج على شكل إحصائيات.
فالناس تتداول إشاعات وأرقام تشوش أذهان الكثير منهم. فإذا كان المطلوب هو تقبل ساهر واحترام قواعده وكاميراته، والرضا والقبول بمخالفاته فلا بد من إظهار حقائق الأرقام لتتبدد الشائعات، وللحد من التذمر من هذا النظام الذي يعد الأحدث والأدق من نوعه. فالأرقام التي يتداولها العامة قد تكون مبالغ فيها، وبعضها يدعي الاستناد لأرقام سربت من بنوك، أو ممن يعملون في النظام. فالمرور جهاز يتبع لأكثر الأجهزة الحكومية شفافية ودقة، وهو جهاز وزارة الداخلية ويتوقع منه التزام معايير شفافيتها.
ثم هناك مصلحة الزكاة والدخل، ولعل لها رأي حول هذا الموضوع، فهذه أموال محصلة لبيت المال، وهي واجبة التزكية ليستفيد منها بعض المساكين والمحتاجين، وهذا ما يتيح أيضاً تحديد حق للعاملين عليها بشكل يضمن لهم حقوقهم. . وسمعنا مؤخراً أنه تم إعفاء السائقين الذين يصطادهم ساهر من مضاعفة المخالفات، وكذلك ربما توجه بعض أموال هذه المخالفات للمحتاجين. وهذا أيضاً خبر سار ومفرح ويحتاج لمزيد من الإفصاح.
فالشفافية في المحصلة النهائية هي لمصلحة تطبيق النظام، ولمصلحة تشجيع الناس على الالتزام به، وربما المطالبة بتطبيقه على المخالفات الأخرى. وفي الشفافية أيضاً تقريب للمرور من قلوب وعقول السائقين، فالضبابية لا تخدم أيه طرف في المعادلة المرورية. وقد يطالب أفراد الشعب ممن يعانون الأمرين من التهور والسرعة في شوارع مدننا بدعم حكومي مالي إضافي لنظام ساهر في حالة توفر الشفافية حول موارد ومصارف النظام.
وفي الختام لا بد من القول بأن الأغلبية إن لم يكن الجميع باستثناء قلة غير سوية، يؤيدون النظام والضبط في مرور شوارعنا، التي أصبح انعدام احترام الأنظمة المرورية فيها أمر لا يطاق. ولكن الجميع يدرك، بأن العقوبة وحدها لا تكفي، فلا بد من التوعية وتغيير القناعة لدى كثير من السائقين، لأننا لا نستطيع أن نضع ساهر في كل شارع، وكل نافذ، وكل طريق. فنقص الوعي، أو فلنقل مع الأسف والاعتذار، نقص الأدب هو أحد المشاكل الرئيسة في أسلوب القيادة في شوارعنا، و يمكن ردع الناس بالعقوبة، ولكن لا يمكن تأديبهم بها.