صندوق تنمية الموارد البشرية وبرغم ما يقدمه من خدمات لا يمكن أن ينكرها عاقل إلا أنه لا يزال يدور في فلك تأهيل الشباب وتدريبهم وفي الغالب عدم توظيفهم، وهم إن تم توظيفهم لا يلبثون أن يعودوا باحثين عن عمل في دورة جديدة من الإجراءات،
وقد طالعتنا الأخبار مؤخراً عن صرف الصندوق لجزء يسير من ميزانيته الضخمة في التدريب والتأهيل وتوظيفه لعدد بسيط من الشباب السعودي لا يرتقي مطلقاً لما هو متوقع منه، ولا تصل تلك الأرقام لما يُرجى منه، وأنا هنا لا أطالب أن يتم إنفاق تلك الميزانيات بشكل عشوائي فقط لمجرد الصرف، بل إنني أستغرب أن يتم صرف تلك المبالغ البسيطة وتوظيف تلك الأعداد اليسيرة وقد تم تخصيص ميزانيات ضخمة لهذا الجهاز.
يعد التدريب اليوم من أكثر أنواع الإنفاق استثماراً لكونه يعمل على إعداد الكوادر البشرية وتطويرها وتأهيلها لتصبح قادرة بإذن الله على العمل ودخول معتركه، إلى جانب مساهمته المباشرة في زيادة إنتاجية العمل والإنتاج الإيجابي بشكل عام. ولا شك أن أهمية التدريب تزداد يوماً بعد آخر بشكل لم يسبق له مثيل لأهمية ذلك في مواكبة أحداث العصر المتسارعة والمتلاحقة تكنولوجياً واقتصاديا وايدولوجيا، وفي مواكبة المتغيرات الواقعة في أنماط العمل المختلفة وأساليبه المتعددة.
التدريب في المملكة له ثلاثة أنواع: نوع تعتمد عليه الدوائر والمنظومات الحكومية كمعيار أو متطلب للترقية ويقوم بمعظمه معهد الإدارة العامة، ونوع تعتمد عليه مؤسسات القطاع الخاص وبعض مؤسسات القطاع العام ويعتبر متطلبا للحصول على الوظيفة، ويقوم بدعمه مالياً صندوق تنمية الموارد البشرية الذي تم تأسيسه ليخدم عددا من المسارات يأتي في طليعتها دعمه للتدريب المنتهي بالتوظيف، ونوع أخير يقوم به عدد محدود من مؤسسات القطاع الخاص يتمثل في صرفها بشكل مباشر على تدريب العاملين لديها ودعمها لتدريبهم والصرف عليهم استشعارا منها بأهمية تدريب الموظف وانعكاس ذلك على أدائه وبالتالي أداء المؤسسة النهائي بشكل عام ومردودات صرفها على قطاع التدريب.
لا شك أن أحد أهم أهداف صندوق تنمية الموارد البشرية الذي أنشئ من أجلها كما أسلفت هو دعم التدريب وفق ضوابط معينة وشروط محددة، ولذلك كان المطلب بأن يتم توجيه ذلك الدعم المالي الذي يقدمه الصندوق لتأهيل الشباب السعودي في الوظائف الفنية والمهنية فقط وما تحتاجه من تخصصات مساندة كاللغة الإنجليزية مثلاً. أكثر ما تحتاجه البلاد اليوم هو الأيدي الفنية السعودية الماهرة وتحديداً في تخصصات لم يطرقها الشباب بعد، تحتاج البلاد إلى فنيين في مجالات الكهرباء والإلكترونيات والكهرباء الإنشائية والقوى الكهربائية والآلات الكهربية والتمديدات الصحية والبناء والتسليح والنجارة والديكور وغيرها من التخصصات التي لازلنا نعاني من وجود العمالة الأجنبية فيها وهي أي الوظائف التي لن تستوعب الشباب العاطلين حالياً فقط بل القادم خلال السنوات ربما العشر أو العشرين القادمة.
والهدف الأسمى للصندوق هو الناتج لعملية التدريب تلك أو عملية التأهيل وهو توظيف الشاب أو الفتاة وهو أي الصندوق يسهم بذلك في تحقيق الرخاء المادي المنشود والعدالة الاجتماعية المطلوبة للشاب والفتاة على حد سواء.
لكن ما يلحظه المراقب حالياً هو اعتماد الصندوق على تأهيل وتدريب الشباب في مناح علمية مكررة وتكاد تكون غير مرغوبة في سوق العمل فضلاً عن عدم البحث عما تحتاجه سوق العمل من وظائف فنية أو مهنية، الأمر الذي يجعل جهد الصندوق يذهب دون تحقيق أدنى درجات الفائدة المنتظرة منه.
اليوم ومع إصدار خادم الحرمين الشريفين لمكرمته الملكية بصرف إعانة للعاطلين عن العمل وهو الأمر الذي طالبت به منذ زمن وتبنى مشكوراً المهندس سالم المري طرحه في مجلس الشورى، لماذا لا يتم إيكال المهمة لصندوق تنمية الموارد البشرية بميزانياته الضخمة وعدم تعويض تلك الإعانات التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين من وزارة المالية؟ بل لماذا لا يتم تغيير اسمه إلى صندوق توظيف الموارد البشرية أو هيئة توطين الموارد البشرية تقوم بالإشراف المباشر على دفع تلك الإعانات للعاطلين عن العمل ووضع الآليات لها والمدد التي تحصرها ولا تجعل منها إعانة اجتماعية مستمرة، ألا يكون الصندوق بذلك قد حقق أهدافه وتحول إلى مصدر للوظائف وليس للبطالة؟
لا يمكن التصور اليوم بإمكانية بحث شاب أو شابة عن العمل وهو لا يملك مركبة يتنقل بها فكيف يستطيع دفع أجرة سائق يوصله لمكان عمله، ثم ألا يحتاج ذلك الشاب لتحسين مظهره وهندامه قبل عقد أي لقاء أو مقابلة له في سبيل توظيفه وقد رفع كثيرون ممن حباهم الله نعمة المال والعمل نسبة معيار القبول لديهم لأسباب لا تخفى على القارئ الكريم. ألا يحتاج من ابتلاه الله في رزقه وجعله عاطلاً عن العمل أن يجد لنفسه وأهله وذويه ما يسد رمقهم حتى يكتب الله له مصدراً للرزق.
كثيرة هي الأسباب التي تدفعنا للمطالبة بصرف مرتب للعاطل عن العمل، وكثيرة هي وسائل ومصادر دفعه بل يكفي أن يتم تحويل صندوق تنمية الموارد البشرية بميزانياته الضخمة جداً والتي يكفي جزء منها لتحقيق ما أطالب به، لهيئة أو صندوقاً للتوظيف، بل أفترض أن يضطلع الصندوق بتلك المهمة الوطنية باعتبارها من وسائل وأدوات تنمية الموارد البشرية السعودية والتي لا تنحصر فقط على التدريب والتأهيل.
أعلم أن مقالي هذا سيغضب الكثير ممن يقفون ضد فكرة أو مشروع دفع مرتب للعاطل عن العمل، وأتفهم جيداً أن لديهم أسبابهم التي يرفضون من أجلها ذلك المبدأ ومنها ما قد يزيد من أعباء العمل لديهم في وضع آليات وضوابط ومدد محددة للصرف والأهم البحث عن وظائف لمن يتم صرف إعانة له وإيقاف الإعانة متى ما وجد ذلك الجهاز أو تلك المنظومة وظيفة له وكم عدد الفرص الوظيفية التي يمكن عرضها قبيل إيقاف الإعانة ومتى يتم البدء بصرفها لمن توقف عن العمل ومتى يتم إيقافها وما هي حدود المبالغ التي يتم دفعها قياساً بمؤهلات الشخص وخبراته ومن تنطبق عليه أو عليها شروط الدفع.
أنا لا أشكك في نوايا أحد إطلاقاً، لكنني ومن منطلقات وطنية عدة أدعو من يقف ضد هذا المشروع لمراجعة الأمر والتفكير بمنطقية الأدوات والوسائل والإجراءات التي تكفل قيام ذلك المشروع دون أن يكون مبعثاً للتواكل.
إلى لقاء قادم إن كتب الله.