بالطبع الظلم لا يمكن تبريره، واضطهاد الشعوب وقمعها لا يمكن تصنيفهما؛ فتخصُّ جانباً بالتنديد والشجب وتصمتُ عن الآخر بعد أن تدافع عن النظام الذي يرتكب القمع وتصف ما يواجهه بالمؤامرة.
ولا شك بأن الذين يمتهنون التسيس الديني كالقابضين على السلطة في إيران هم الأكثر قدرة على التمييز بين الظلم الذي يدفع المتضرر إلى الثورة وبين ادّعاء الظلم لتنفيذ ما يطلب منهم، فأصحاب العمائم الذين يفترض بهم أن يكونوا صادقين مع دورهم كرجال دين يخدمون العقيدة الإسلامية الصافية نجدهم يستغلون الدين لتحقيق أغراض سياسية دنيوية، كما أنهم أفضل من غيرهم في التمييز بين الظلم الحقيقي والظلم المفتعل، فكلا النوعين جربه وعمل به نظام ملالي طهران وبامتياز، فالظلم اليومي والمستمر ضد الشعب الإيراني لا مثيل له في أي مكان في العالم، كما أن ترويج استغلال الادعاء بالظلم استعمله الإعلام المرتبط بإيران واستطاع -وإن كانت لفترة قصيرة- أن يغرر بالبعض وخاصة من المتلقين العرب الذين أفاقوا بعد ما أسكرتهم مزاعم وادعاءات الفضائيات الطائفية.
والإعلام الطائفي بذل جهداً مكثفاً لتصوير الاجتهادات الطائفية في البحرين وقدمها على أنها امتدادٌ ومشابهةٌ للأحداث التي جرت في تونس ومصر، مغفلاً ما يحدث في إيران، رغم أن الأسباب والأوضاع مختلفة كلياً وأول من يعرف اختلافها من يضعون على رؤوسهم العّمة ممتهنين الدين للتكسب السياسي في إيران.
ولقد كشف القاضي والمدعي العام الدولي «هاجاي كارمون» في بحث نشره في صحيفة «هافنتجتون بوست» الأمريكية، وكما أشار الكاتب «محمد القوتي» في صحيفة أخبار الخليج، الذي أوضح حقيقة يعرفها الكثيرون إلا أن الإعلام الإيراني يتغافلها ويعمل على تغييبها، فقد كتب يقول:«لقد وجهت حكومة البحرين أصابع الاتهام إلى إيران، وأشارت إلى أن الإضرابات التي شهدتها البلد تندرج في إطار مخطط إيراني.. وهذا الاتهام حقيقي، وله ما يبرره تماماً، في البداية ظن البعض أن الاضطرابات في البحرين هي «قطعة دومينو» أخرى في الشرق الأوسط، وتندرج في إطار المطالبات الشعبية بالحرية والخبز. ولكن ليس هذا هو الحال بالنسبة للبحرين».
ويمضي الكاتب قائلا: «البحرين ليست مصر ولا تونس، حيث أدى الفقر والقهر والاضطهاد في البلدين إلى خروج الناس إلى الشوارع، البحرين هي أكثر بلد ليبرالي في الخليج، ومن أعلى دول العالم من حيث معدلات الدخل، ويعتبر المراقبون السياسيون والعسكريون أن المخطط للاضطرابات الحالية في البحرين هي إيران.. وأجندة إيران السرية هنا معروفة، وتقوم على السعي إلى الإطاحة بالنظام السني في البحرين، وإحلال نظام شيعي موال لإيران محله، وتصورت أن الظروف الحالية مواتية لتنفيذ أجندتها، وتعتبر إيران أنها لو نجحت في ذلك، فسوف تنجح في تنفيذ باقي أجندتها في المنطقة».
هذا قول قاضٍ ومدعٍ عام دولي مستقل يؤكد الاستغلال البغيض لحكام طهران والدور المشبوه للإعلام الطائفي في تغييب الحقائق.