أتساءل بألم: هل لدينا قناعة تامة بأننا نتّبع تعاليم ديننا الإسلامي بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة، ونطبق ما يرتبط بسلوكنا اليومي من توجيهات تدل على حرصنا على تحقيق الصورة المشرفة لكل ما يرتبط بديننا، وأن نكون قدوة حسنة لغيرنا ممن نستقدمهم لبلادنا ويمارسون سلوكيات لا تدل على أدنى احترام لنظام البلد الذي استقدمهم وفتح لهم أبوابه بكل رحابة صدر؟! وهل نحترم فعلاً مظاهر النعم التي تنعم بها بلادنا ونقدرها ونحرص على إثبات الروح الوطنية بدون إيذاء الآخرين أو العبث بممتلكاتهم، أو بالمرافق العامة، ونكون قدوة حسنة لمن يبحثون عن أخطائنا حتى لو كانت صغيرة؟! وأبسط المراد من ذلك ضرورة الالتزام بقيمة النظافة في كل ما يحيط بنا.
لقد لفت انتباهي قول رسولنا الكريم: «نظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود». لكن ما نراه في أحياء كثيرة وأمام بوابات المنازل من بقايا للقاذورات وتراكم لأكياس النفايات في الطرقات في انتظار سيارات النظافة لأمر مؤسف ومُخْزٍ، لا يدل على سلوك حضاري! وكذلك ما نراه من تصرفات يومية من العمالة في الطرقات العامة أو سائقي سيارات الأجرة من حيث إهمالهم شكلهم الخارجي، بالرغم من أن أغلبهم يتبعون شركات معروفة، منها شركات للنظافة، ومثل قيامهم «بالبصق» ببساطة أمام أعين المارة على الأرصفة أو استخدام أيديهم لتنظيف أنوفهم بدون أي خجل أو مراعاة لمشاعر الآخرين.. هذا ما نشاهده للأسف الشديد في أماكن المشاة والحدائق العامة وأمام المحال التجارية؛ ما يدل على استهتارهم الصريح بمشاعر الآخرين، وعدم احترامهم الآداب العامة! وكذلك منظر الشباب لدينا وهم يبصقون ببقايا المكسرات من أفواههم من نوافذ سياراتهم بدون خجل!.. هذه الممارسات لا أجد سبباً قوياً لها إلا إهمالنا تطبيق العقوبات الرادعة على مثل هذه النوعية من البشر، سواء من المواطنين الذين نأمل منهم القدوة الحسنة، أو من المقيمين الذين نرى مواطنيهم في الدول المجاورة من أفضل الهيئات البشرية في التزامها بقواعد النظافة وأصولها، لكن داخل بلادنا يمارسون قمة القذارة، وإن ما نشاهده في محطات الطرق البرية لأكبر دليل على ذلك!
إذن، بلا شك مَنْ أَمِن العقوبة أساء الأدب، وإلى الآداب العامة أيضاً؛ لذلك أطالب بتفعيل دور برنامج «عين النظافة» في إدارات البلديات على مستوى المناطق تفعيلاً يوقظها من سباتها العميق؛ لأن ما نراه بشكل يومي لا يُشير إلى أن عين النظافة أشركت المواطنين بفعالية في تنفيذ مهامها؛ فالمواطن يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية تجاه وطنه حتى في أبسط الأمور التي تتعلق بنظافة بيئته! ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: «إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة» فإنه يقدِّم رسالة قوية بأن الله نظيف يحب المؤمن النظيف في جسمه وقلبه وثيابه وبيته ومسجده وبلده، لكن ما نراه من مشاهدات يومية مؤسفة لا تدل على تقديرنا لانتمائنا الديني الذي يحمل رسائل عظيمة حتى في التنظيم اليومي لحياتنا!
فعلينا أن نعمل بهذا الحديث؛ فنضع بقايا الطعام والأوراق في سلة المهملات، وإذا وجدنا حجراً أو زجاجاً في وسط الشارع فعلينا أن نساهم في إزالته من وسط الطريق؛ حتى لا يؤذي المارة، وألا نرمي المناديل وفضلات الطعام في الطرقات بكل بساطة؛ «فإماطة الأذى عن الطريق صدقة»، وألا نكتب على جدران المرفقات والحدائق والمدارس تلك العبارات المؤذية للنفس؛ فبذلك يحبنا الله، ويحبنا الناس، وإن لم يكن ذلك بقناعة فلا بد من استخدام الغرامات التي ستشعرهم فعلاً بقوة رقابة البشر؛ لأنهم أغفلوا رقابة الله سبحانه وتعالى، ويسيئون إلى هويتهم الدينية والوطنية، فالنظافة من الإيمان، لارتباطها بلا شك بالأخلاق الحميدة؛ فالشاعر أحمد شوقي ربط بقاء الأمم ببقاء أخلاقها:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ونحن ننشد بقاء الأخلاق والقيم الكريمة حتى في أدنى السلوكيات العامة، وذلك في ظل إمكاناتنا المادية التي لم تبخل بها حكومتنا الغالية علينا في جميع المرافق، صغيرها وكبيرها.