الرياض- خاص بـ(الجزيرة):
شهدت شبكة المعلومات الدولية «الإنترنت» في السنوات القليلة الماضية انتشار العشرات من المواقع الدعوية على هذه الشبكة حتى أضحت هذه المواقع تتقاطع أحياناً، وتكرر نفسها أحياناً أخرى عند تنفيذ رسالتها الدعوية التي هي شعيرة عظيمة من شعائر الدين الإسلامي الحنيف، وهي ميراث الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأمام هذا الكم الكبير من المواقع، نجد أنفسنا نتساءل هل أدت هذه المواقع هذه الرسالة على الوجه الأكمل؟ وما أبرز الملاحظات على أدائها؟ وكيف نعالجها؟ أسئلة طُرحت على عدد من الأكاديميين، والعاملين في الحقل الدعوي فكانت إجاباتهم على النحو التالي:
له، وإن أصابته ضرّاء صبر؛ فكان خيراً له)، تبعاً لذلك وضع الإسلام منهجية للمسلم في كيفية التعامل مع هذه الأحوال المتقلبة، وضغوط الحياة المختلفة.. حول تلك المضامين السابقة تحدث اثنان من المختصين في العلوم الشرعية.
أهداف محددة
في البداية يقول أستاذ العقيدة بكلية أصول الدين بالرياض د. علي بن عبدالعزيز الشبل: إن الله أنعم علينا بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، وآلاء عظيمة لن يبلغ العباد فيها حسن الثناء، وأعظم نعمه سبحانه وتعالى أن هدانا للإيمان، وأنزل علينا كلام القرآن، وبعث إلينا خاتم المرسلين عليهم الصلاة والسلام.
ومن نعمه سبحانه علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون.. هذه التقنيات بأنواعها المختلفة، وأصنافها المتعددة، فقد قربت البعيد، وسهلت العسير، واختصرت الأوقات، وعمرت الدنيا، ووقع فيها ومنها الابتلاء والبلاء فصار الخلق فيها بين شاكر وناكر، ومؤمن وكافر، وصادق وفاجر ومن هذه النعم والبلاء في الوقت نفسه، ما ظهر علينا من الشبكة العنكبوتية «الإنترنت» فحققت هذا الأصل والأنموذج تجاه أنواع نعم الله علينا فصار مستخدموه ومستفيدوه بين صالح وفاسد: صالح في نفسه وعلى غيره، وبضد ذلك.. وكان في «النت» انفجار معرفي ومعلوماتي رهيب وبسرعة كبيرة.
وكان لا بد تجاه هذه الوسيلة الحديثة من نظرة واعية، وإفادة لها فيما خُلق الخلق لأجله من عبادة الله وحده لا شريك له، ومن عمارة الدنيا بالصالح والنافع.. ولذا أقبل المصلحون على هذه الوسيلة فوظفوها فيما يرونه صالحاً نافعاً، واتخذوها وسيلة لذلك، ومن قواعد الشريعة «أن الأمور بمقاصدها، وأن الوسائل لها حكم المقاصد» قال الناظم:
وسائل الأمور كالمقاصد
واحكم بهذا الحكم للزوائد
ومن تعامل مع وسيلة «النت» وتصفحه يجد الغث الكثير والباطل الأكثر.. لكن يرى من خلال ذلك بصيص أمل، وجذوة نور انتداب لها أهل الخير والفضل في استغلال هذه الوسيلة في الخير، ومن دعوة الناس ونفعهم وإبلاغ دين الله وإذاعته.. فجاءت مواقع ومنتديات لمؤسسات دعوية رسمية وخيرية، ولعلماء وطلبة علم، ولرجال ولنساء.. قامت بدور يُذكر لها فيشكر، ويُثنى عليها ويشار بها، حتى صارت المرجع لفئام من المسلمين هنا وهناك في التعلم والعلم، والدعوة والإفتاء، والسؤال والبحث.. لكن مع هذا كله فأبدى هذه التوجيهات فيما يخص توظيف النت للدعوة إلى الله من خلال المواقع والمنتديات الدعوية والعلمية:
-1 أهمية رسم أهداف محدودة يسعى إلى تحقيقها بعمل منظم واضح.
-2 وجوب إشراف العلماء على هذه المواقع، ولا سيما موادها المنشورة فيها.
-3 تنوع أساليب الخطاب مع شرائح الناس بطرح قوي وبلغة سهلة.
-4 العناية باللغات العالمية كالإنجليزية والإسبانية والفرنسية والصينية والأردية، من خلال خبراء فيها يتناولون الجوانب اللغوية والعلمية والنفسية... إلخ.
-5 وقف الأوقاف على هاتيكم المشاريع ضماناً لاستمرارها وعدم تعطلها من خلال عمل مؤسسي يقوم على مدى طويل، ولا يموت ولا يضعف بتخلف أحد عنه، فيزول بزواله أو ينجرف بانحرافه، أو ما شابه ذلك!
مساهمة فعالة
أما عميد كلية الدعوة وأصول الدين للدراسات العليا بجامعة أم القرى د. محمد بن سعيد السرحاني فيستهل كلامه قائلاً: تحتل المواقع الإسلامية على الشبكة العنكبوتية مكانة بارزة كماً وكيفاً إذ تجاوزت وفق بعض الإحصائيات الستمائة موقع، وتميزت بتنوعها وبتغطيتها مجالات عدة فشملت الدروس العلمية التأصيلية في جميع الميادين الشرعية بمواد مطبوعة ومسموعة ومصورة مع نقل مباشر للدروس العلمية فساهمت تلك المواقع على بسط العلم وانتشاره، وكانت المناظرات والردود على الشبهات والدفاع عن الإسلام وبيان محاسنه من الميادين الهامة واللافتة في نطاق المواقع الإسلامية واشتملت كذلك على مواقع دعوية للإصلاح ونشر الفضيلة بصور متنوعة ومؤثرة بما فيها من الرقائق والمواعظ مع استخدام التقنيات الحديثة من صور وخلفيات مؤثرة وجهت للمسلمين مع الاهتمام بدعوة غير المسلمين بمواقع متخصصة وبلغات عدة، وقد شملت تلك المواقع على مواقع عديدة اختصت بالفتاوى في مسائل العقائد والعبادات والمعاملات واحتلت مواقع خطب الجمعة جانباً بارزاً في تلك المواقع جمعت فيها خطب الحرمين وأبرز خطب الجمعة في المساجد داخل البلدان العربية وخارجها، وكانت المواقع السمعية لتلاوات القرآن الكريم لأبرز القراء من المساحات الثرية في المواقع الإسلامية، وتخصصت بعض المواقع في نشر الحديث النبوي مع بيان درجة الأحاديث، واهتمت بعض المواقع بالاستشارات النفسية والأسرية والقانونية، وتخصصت أخرى بالتعريف بواقع الأقليات الإسلامية في العالم.
ومثلت جوانب الترفيه المباح في أناشيد وبرامج لألعاب الأطفال جانباً آخر على المواقع الإسلامية واعتنت مواقع عديدة بما يخص المرأة المسلمة في جميع شؤون حياتها إلى غير ذلك من المجالات الهامة التي اعتنت بها المواقع الإسلامية فجاءت تلك المواقع متنوعة وثرية بمواردها العلمية والدعوية والأسرية والنفسية ويسرت لطلاب العالم رجال ونساء التعلم والتفقه في الدين بأيسر الطرق وأسهلها، وفتحت تلك المواقع مجالاً رحباً للمرأة المسلمة للمشاركة الفاعلة في هذه الوسيلة الدعوية متعلمة وداعية ومستشارة مع قرارها في بيتها بل فاقت المرأة الداعية الرجال بجهودها المتميزة في الإعداد والتنظيم والإخراج للعديد من المناشط الدعوية.
وساهمت تلك المواقع مساهمة فاعلة في نشر محاسن الإسلام في أقطار المعمورة ودحض الافتراءات الموجهة للإسلام مع فاعليتها المتميزة في التواصل مع المسلمين في كل مكان إلى غير ذلك من المقاصد والمصالح المتحققة من خلال المواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت، وبما أن الجهد البشري لا يخلو من النقص والقصور ظهرت بعض تلك الجوانب في هذا العمل ونستطيع أن نجمل بعض جوانب القصور ومجالات التطوير والتحسين في النقاط التالية:
- ظهر التكرار في مواد وتخصص عدد من المواقع الإسلامية وكان الأفضل أن تتوحد الصفوف وتجتمع تلك المواقع المتشابهة توفيراً للجهد والمال وحتى تكون المخرجات أكثر قوة ونفعاً.
- افتقرت بعض المواقع إلى العمل المهني الإعلامي المتخصص إدارة وإنتاجاً وإخراجاً فلعل تلك المواقع تعنى بهذا الجانب حفاظاً على دقة المعلومات ومصداقيتها مع الاهتمام بتوثيق المعلومات والبعد عن نشر المعلومات والأخبار للمجاهيل أو غير المتخصصين في كل علم وفن.
- ينبغي الاعتناء برفع مستوى مهارات المشاركين بدورات علمية متخصصة، مع إشراك الجامعات والمراكز العلمية في إجراء دراسات علمية لتقييم وتطوير المواقع الإسلامية ومخرجاتها.
- ومع تنوع مواد المواقع الإسلامية إلا أن بعض الميادين ما زالت دون المأمول ومن ذلك دعوة غير المسلمين التي قد يكون التركيز فيها على اللغة الإنجليزية في الغالب، ومع أنها لغة عالمية إلا أنه يجب الاهتمام بأشهر اللغات العالمية مع إيجاد مواقع خاصة بالترجمة لنقل المواد الشرعية إلى أناس محرومين منها لحاجز اللغة.
واجب أهل الدعوة
ومن جانبه يقول الأستاذ المشارك بقسم الدعوة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية د. عبدالله بن محمد المطوع: اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً عندما أراد أن يرسل الرسائل إلى حكام العالم يدعوهم فيها إلى الإسلام، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: (لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم، قالوا: إنهم لا يقرؤون كتاباً إلا مختوماً، قال: فاتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من فضة، كأني أنظر إلى بياضه في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقشه: محمد رسول الله)، ومن هنا يتضح أن النبي صلى الله عليه وسلم استفاد مما توافر في زمانه من وسائل ممكنة ومناسبة؛ لإبلاغ دعوته إلى الناس، وهذا من محاسن هذا الدين وفضائله، يقول الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله: (الوسائل ليس لها حد شرعي، فكل ما أدى إلى المقصود فهو مقصود، ما لم يكن منهياً عنه بعينه، فإن كان منهياً عنه بعينه فلا نقربه.. لكن إذا كانت وسيلة لم ينه عنها ولها أثر فهذه لا بأس بها، فالوسائل غير المقاصد، وليس من اللازم أن ينص الشرع على كل وسيلة بعينها، يقول: هذه جائزة، وهذه غير جائزة؛ لأن الوسائل لا حصر لها، ولا حد لها، فكل ما كان وسيلة لخير فهو خير)، ويقول الشيخ عبدالله بن جبرين رحمه الله: (وسائل الدعوة ليست توقيفية، فيجوز استعمال الوسائل الحديثة؛ كطبع الكتب، وكالأشرطة الإسلامية، واستعمال مكبر الصوت، واستعمال الإذاعة، مرئية، أو مسموعة، واستعمال النشرات، والصحف والمجلات، فكل هذه وسائل جديدة ليست معروفة فيما سبق، فتستعمل للدعوة لما فيها من الإفادة، كما أن دعاة الفساد والكفر والبدع يستعملونها ويضلون بها خلقاً كثيراً، فواجب أهل الإسلام أن يستعملوها حتى يستفيدوا منها).
ومن هنا كان لازماً على العاملين في مجال الدعوة والإفتاء، فضلاً عن المؤسسات الدعوية أن يكون لهم أسبقية في الاستفادة من هذه الوسائل، واستثمارها وتطويعها في خدمة الدعوة ونشر الفضائل والخير في المجتمع؛ وتبليغ الدعوة ومحاسنها، وإيصالها للناس في مختلف أنحاء العالم؛ حيث تخطت هذه الوسائل كل الحواجز والموانع؛ فيمكن لبعض الدول أن تحجب كتاباً أو شريطاً؛ لكن ثورة الاتصالات اليوم يستحيل حجبها؛ ولو بُذل في ذلك كل البذل؛ لذلك ينبغي استثمارها بشكل إيجابي لإيصال صورة الإسلام الصحيحة وفق المنهج الوسطي الذي كان عليه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم وأتباعهم من السلف الصالح رحمهم الله.
وفي نظرة عامة من خلال اطلاعي على عدد من المواقع الإلكترونية للمكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في المملكة تبين لي الأمور الآتية:
-1 وجود عدة مواقع متميزة لبعض هذه المكاتب في الجانب الدعوي بشكل عام؛ حيث اهتمت هذه المواقع بالجوانب الدعوية المختلفة التي تناسب المسلمين وغيرهم وبلغات مختلفة، وكانت مواقعها نشيطة ومتفاعلة مع المتصلين والمدعوين.
-2 يظهر عدم وجود منهجية (هوية) دعوية موحدة لهذه المواقع، لذلك يبدو أن الأمور تتم وفق اجتهادات القائمين على هذه المكاتب، ولذلك فهي تختلف من موقع لآخر، ويغلب على هذه المواقع إبراز أخبار هذه المكاتب وأنشطتها، وأرقام حساباتها، وفي المقابل نجد أن بعض هذه المواقع لا تعمل، أو عملها ضعيف جداً.
-3 عدم وجود أي رابط (أيقونة) - في مواقع هذه المكاتب التي اطلعت عليها توضح دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله-، أو تعرّف بها، أو ترد على الشبهات المثارة ضدها، مع وجود بعض الروابط القليلة جداً الموجودة في بعض هذه المواقع التي وضع فيها عدد من مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- مهيأة للتحميل والحفظ فقط.
وللاستزادة انظر الرابط التالي في موقع دعوة الإسلام: (www.islamdawah.com/vb)؛ حيث يوجد في هذا الرابط: روابط ل (35) مكتباً دعوياً في المملكة، وانظر كذلك الرابط في موقع الداعي: (www.daae.com/index.php)، ويوجد في هذا الرابط: روابط ل (32) مكتباً دعوياً في المملكة، بالإضافة إلى مواقع عدة مكاتب الدعوة في شبكة الإنترنت.
وهذا الرأي أطرحه فقط حول المنهجية الدعوية لهذه المواقع، ولا أطرح رأيي وفق اعتبارات فنية أو تقنية؛ لعدم اختصاصي في هذا المجال؛ لذا من المؤمل أن تكون عناية المكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بوسائل التقنية الحديثة واستثمارها في هذا المجال بشكل أكبر؛ لكونها واجهة مهمة في إبلاغ الدعوة وتوصيلها في هذا العصر.
مضمون المواقع
ويؤكد د. فهد بن سعد الجهني أستاذ الدراسات العليا الشرعية بجامعة الطائف أن وظيفة الدعوة إلى الله هي أشرف الوظائف وأكملها بالنظر إلى مقصدها وموضوعها ومن قام بها من الأنبياء والعلماء، ومن المقرر عند أهل العلم أن وسائل الدعوة توفيقية واجتهادية وليست توقيفية، بشرط سلامتها من المحاذير الشرعية، والدعوة من خلال الوسائل الحديثة كالمواقع الدعوية في الإنترنت، من أهم الوسائل وفي ظني أنها قامت بدور كبير ومؤثر في الجملة، إلا أن الأمر المهم هو في مضمون هذه المواقع وما يقدم فيها ومدى سلامتها من الناحية العلمية والمنهجية والشرعية، فليس من السائغ أن يكون لكل من شاء أن يبث ما شاء من المواقع وهنا قد يدخل هوى النفس أو غلبة التوجه الفكري الخاص والضحية هو المسلم العادي الذي قد يعيش في حالة تناقض بين ما يقرأه في مجموع هذه المواقع، لذا فإنه من المتعين أن يكون هناك آلية لضبط هذا الأمر قدر الإمكان مع صعوبته.. ونصيحتي للمشرفين على هذه المواقع هو الحرص على تقديم معاني الدين وأحكام الشريعة في المتفق عليه الذي دلت عليه النصوص الصحيحة والبعد عن الشبهات والمتشابهات.