إنَّ الله -سبحانه- أكرم هذه الأمة المحمدية بأعظم نبيّ، وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، واختصها بأهْدَى كتاب، وهو القرآن الكريم، فهو منهج متكامل لحياة المسلم، فيه الحُكم والحِكمة، والهداية والتذكرة، والقصة والعبرة، وفيه سعادة الإنسان في دار الدنيا والآخرة. وقد تكفّل الله - تعالى - بحفظ كتابه فقال - سبحانه -: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، ومن مظاهر حفظه أنه تبارى الناس، وتسابقوا في تجويد خطِّه بخطوط مختلفة، كالخط الكوفي والثلث وخاصة خط النسخ الذي هو أوْلَى الخطوط لكتابة المصحف الشريف، وذلك لجلائه، واتسامه بالوضوح، وقبول الشكل على الحروف.
وقد كان القرآن الكريم السبب الأول في تحسين الخط، وتزيينه بالزخارف الإسلامية.
وكان لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة النبوية القِدْحُ المُعَلَّى، والنصيبُ الأوفَى في تجويد كتابة المصحف الشريف، وكان هذا المجمّع مصدراً للإتقان والإحسان.
والمجمّع حمل راية القرآن الكريم، وأبدع في إظهاره، كما أنه حرص حرصاً شديداً على أن ينال المصحف الشريف قصب السبق في إظهاره بما يليق بقدسيته، من جمال الحروف، وإبداع التنسيق، كما حرص على التطوير في تحسين خطوطه، لذا أعلن المجمّع عن ملتقى مجمع الملك فهد لأشهر خطاطي المصحف الشريف في العالم خلال المدة من 22 - 28-5-1432هـ، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله.
والذي ينبغي على الفنان إذا جنح إلى التطوير أن يكون ذلك دون شذوذ، واطراح الأصول، واقتلاع الجذور، فالتطوير في الخط يكون نحو الأحسن والأفضل، مع الحفاظ على معايير الخط وقواعده، وإبراز شخصية الكلمة وروحها.
وقديماً قالوا: إنّ الخط هندسةٌ روحانية، ظهرت بآلة جسمانية، تضعف بالترك، وتقوى بالإدمان، والخط للأمير جمال، وللفتى كمال، وللفقير مال.. والخطاط الملهم هو الذي يعرف كيف يتناول القلم، ويستعمل الحروف، ويجعلها في تكوين انسيابيّ سلسٍ، لا ترى فيها عِوَجاً ولا أمتاً، فلا شذوذ ولا نشوذ، حتى تأتي الحروفُ كأنها حبّاتُ لؤلؤ، والكلماتُ كأنها عقود جُمانٍ، والجملُ كأنها بنيان مرصوص، له هيكل يأخذ بمجامع الإعجاب، فيكون بِنْيَةً متكاملة، لو سقط منه جزء تداعت بقية الأجزاء والحروف إلى السقوط والانهيار.
وإن المصحف الشريف في المجمّع كُتب بحروف كأنها الدرر المضيئة، وهو من أحسن وأدقِّ المصاحف التي ظهرت منذ بدء الطباعة إلى اليوم، وكلّ ذلك بدعم سخيّ من ولاة أمر هذه البلاد، واهتمام المشرف العام على المجمع معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ -سلمه الله-، والأمين العام على المجمع الأستاذ الدكتور محمد سالم بن شديد العوفي، فقد حرصا -حفظهما الله - على حمل راية المصحف الشريف بأن يظهر بأبهى حلة، وأبدع صورة.
وإن الاهتمام بكتابة المصحف الشريف من السنن النبوية الكريمة، وقد ورثها الخلفاء الراشدون عن الرسولِ الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم انتقل هذا الإرث إلى مَنْ وَفَّقه الله من ولاة الأمور ويحضرني في هذه المناسبة قولُ القائل:
وإذا سَخَّر الإله أُنا
ساً لسعيدٍ فإنهم سعداءُ
واللهَ أسأل أن يجزي قادة هذه البلاد المباركة خير الجزاء، وأن يديم عليهم خدمة الدين، وأن يتولاهم ويحفظهم ذخراً للإسلام والمسلمين، وأن يُنَكِّسَ أعلام أعدائهم، ويخمد فتنتهم، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير.
وصلى الله وسلّم على سيدنا وقدوتنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
* الرياض