حثَّ المهندس خالد بن عبد العزيز الفالح، رئيس شركة «أرامكو» السعودية، في كلمته التي ألقاها في منتدى شركات النفط الوطنية والعالمية المنعقد في العاصمة الفرنسية باريس «شركات صناعة النفط أن تتحوَّل من كونها شركات منتجة وموردة وشركات تكرير وتجارة وتسويق للنفط والغاز إلى مؤسسات مسؤولة عن تعزيز التقدم الاجتماعي والاقتصادي المستدام». المهندس الفالح يعتقد «أن الاستدامة الحقيقية للطاقة يجب أن تُعامل كمفهوم يشمل مجموعة واسعة من الأولويات المتعلقة بالطاقة والاقتصاد والمجتمع والتقنية والبنية الأساسية والبيئة».
تتعامل المملكة بمسؤولية مع المستهلكين الرئيسين، الأسواق العالمية، والدول الفقيرة، وهي وإن كانت حريصة على تحقيق مصالحها، إلا أنها لا تتردد في اتخاذ قرارات نفطية داعمة للاستقرار الدولي، محفزة لنمو الاقتصاد العالمي، ومحققة للتقدم الاجتماعي والتنمية، بعيداً عن الانتهازية واقتناص الفرص. أخلاقيات التعامل التجاري يمكن ملاحظتها بسهولة في تعامل المملكة، أكثر دول العالم قدرة على التأثير في أسواق النفط، مع شركائها المستهلكين، وتَبَني بعض مواقفهم في المحافل الدولية، والدفع نحو تحقيق شراكة دائمة تقوم على أسس أخلاقية يمكن من خلالها ضبط المصالح التجارية المحققة للأهداف الإنسانية والتنموية. على النقيض من ذلك، نجد أن كثيراً من الحكومات، والشركات الغربية تتعامل مع صناعة النفط بفكر استعماري سُلطوي، وهي لا تتردد في سبيل ضمان إمداداتها النفطية، من الإقدام على تصرفات تتعارض مع القوانين والأعراف الدولية، وإن أدى ذلك إلى نشر القلاقل، والحروب، وتدمير المجتمعات الإنسانية الآمنة. النفط هو سبب القلاقل والحروب والفوضى التي عمَّت بعض الدول العربية، الحرب التي شنها الغرب على الدول المنتجة، والدول القادرة على حفظ الاستقرار في المنطقة العربية، تحت ذريعة الإصلاح، التغيير، وحقوق الإنسان لا علاقة لها البتة بتحرير الشعوب، وتمكينها من حقوقها المشروعة، بل هي وسيلة من وسائل الاستعمار الحديث، والسيطرة على منابع النفط، بطرق مباشرة كما حدث في العراق، أو غير مباشرة من خلال عقود الإذعان التي تتعامل معها بعض الدول الغربية باحترافية «المافيا» المدمرة.
النفط ربما كان السبب الرئيس في تدخل الدول الغربية في ليبيا تحت غطاء الأمم المتحدة، تشير بعض التقارير إلى أن حماسة الدول الأوربية وعلى رأسها فرنسا في المشاركة العسكرية في ليبيا قائمة على أهداف نفطية بعيدة المدى. يُخطئ من يعتقد أن الديموقراطية، وحماية الشعب الليبي هما سبب التدخل الغربي، ولو كان الأمر كذلك، فمن الأولى أن تتدخل تلك الدول الغربية لإنقاذ الشعب الفلسطيني من قبضة إسرائيل!. الهدف غير المعلن في ليبيا هو السيطرة على حقول النفط، ومن ثم تطويرها بما يضمن مضاعفة الإنتاج، وتوفير الاحتياجات الضرورية للدول والشركات الأوربية التي تخشى نقص الإمدادات مستقبلا متأثرة بالاضطرابات السياسية والعسكرية المتوقعة في بعض الدول المنتجة، المُستهدفة من قوى الشر، وما يقابله من «نضوب حقول بحر الشمال».
انتصرت الدول الغربية مبكراً، وإن لم تسقط النظام، فهي الكاسبة في الحالتين!، سقوط النظام يعني سيطرتها على الوضع من الداخل، وهيمنتها على المعارضة، واستفادتها المباشرة من حقول النفط، في الوقت الذي يضمن لها الإبقاء على النظام، وغض الطرف عنه لسحق المعارضة، الحصول على عقود الإذعان، والسيطرة غير المباشرة على النفط الليبي، ومكاسب سياسية جمة، من ضمنها الاعتراف بإسرائيل، وبناء علاقات دبلوماسية طبيعية معها. إجراءات غير أخلاقية تتعارض مع أبسط حقوق الإنسان، تمارسها الدول الغربية ضد شعوب المنطقة، في الوقت الذي تدّعي فيه رغبتها الجامحة بتطبيق قوانين العدل، وحقوق الإنسان، وإشاعة الديموقراطية بين الشعوب. تناقض سافر، يُقابل بغفلة الشعوب وبعض الحكومات العربية المتسلطة التي أعطت قوى الشر سبباً لإثارة الفتن والقلاقل في أوطانها.
عاجلاً أم آجلاً، ستكتشف الدول الأوربية أنها ضمن المخدوعين في الحرب الليبية، بعد أن تستأثر الشركات الأميركية بحصة الأسد في «النفط الليبي»، وعقود إعادة الإعمار، وبعد أن تنتقل تبعات الانفلات الأمني إلى أراضيها القريبة مسببةً لها صداعاً دائماً، و جرحاً غائراً لا يندمل، في الوقت الذي ستكتشف فيه المعارضة أنها أسهمت في تحقيق هدفي الغرب في تقسيم البلاد والسيطرة على منابع النفط، أما الدول المشاركة في تمويل تكاليف الحرب، نصرة للشعب الليبي، فستجد نفسها بعيدة كل البعد عن هدفها الإنساني، بسبب الخبث الغربي، وأنها مولت عملية التخلص من عدد الحرب البالية، وأسهمت في دعم المصانع الحربية الغربية، وبارونات الأسلحة، ولوبي النفط المتسبب دائماً في إشعال الحروب خدمة لأهداف اقتصادية، مالية، وسلطوية مقوّضة لاستقرار المنطقة.