عندما يقال إن الدول الكبرى تحكم تصرفاتها المصالح لا المبادئ، فإن تلك المقولة تؤيدها التصرفات على أرض الواقع، وأن إدعاء تلك الدول بأنها تحمي في تصرفاتها الديموقراطية والحرية في جميع دول العالم هو محض إدعاء، بدليل أنها لم تتدخل لحماية الديموقراطية والحرية في الصين عندما قمعت حكومة الحزب الشيوعي الواحد في الصين الاحتجاجات السلمية للشعب الصيني في ساحة بكين منذ سنوات، أو ما حدث مؤخراً في إحدى ولايات الصين الإسلامية أو حتى تحركات شعب التبت.
وكذلك غضت الطرف عمَّا يحدث في الاتحاد الروسي من انتفاضات شعبية في الشيشان وأنغوشيا عندما صنفت ما يجري أنه عصيان مسلح، ولنا فيما يجري في فلسطين خير مثال على ذلك.
سكتت في البداية عمَّا جرى في مصر وتونس ثم حاولت ركوب موجة الاحتجاجات عندما تبين رجحان كفتها، لتضمن عدم انتقال السلطة للمناوئين لمصالحها هناك.
أما في اليمن فإن مصالحها في منع أعدائها من استلام السلطة، أدى بها إلى تحذير الرئيس علي عبدالله صالح من قمع المتظاهرين والمعتصمين، متجاهلة أن الرئيس اليمني قد انتخب لفترة محدودة من خلال صناديق الاقتراع تحت رقابة دولية ولم تقدم في صحة انتخابه أية طعون ذات مصداقية.
وبنظرة قانونية مجردة، فإن ما يجري في اليمن الآن هو محاولة للانقلاب على الديموقراطية من خلال الشارع عندما فشلت الوسائل الديموقراطية في انتزاع السلطة منه، وغلطة الرئيس أنه حوّل نفسه من ضحية إلى جلاد عندما استخدم السلاح ضد المحتجين.
إن ما يحدث من وجهة نظر المراقبين في اليمن هو تحالف دعاة الانفصال في الجنوب والحوثيين وبقايا خلايا القاعدة وعدد من الشباب من عديمي التوجهات السياسية المطالبين بمكافحة الفساد والتوزيع العادل للثروة والمساواة وتوفير الوظائف للعاطلين، مستقلة تناقضات المجتمع القبلي، ومع هذا فالدول الكبرى تنتظر من ينتصر رغم ما سال من دماء غزيرة لتحتوي المنتصر ترغيباً أو ترهيباً. ظلَّ الغرب متردداً فيما يتعلق بالنزاع في ساحل العاج بين «الحسن وترا» و»لورنس جباجبو» رغم اعترافه بوترا رئيساً لساحل العاج وفق ما أفرزته صناديق الاقتراع إلى أن سيطر «وترا» على الميناء الذي تُصدر منه سلعة الكاكاو، فبدأت تتحرك ومن خلال مجلس الأمن كما هي العادة للحصول على الغطاء الأممي اللازم للتدخل في شؤون ساحل العاج الداخلية.
يتذكر المراقب كيف تدخل الغرب في مسألة العراق واستخدم حظر الطيران ثم قام بالغزو والاحتلال، ومهما كانت الدوافع والأسباب، فإن مخزون العراق من البترول كان العامل الرئيس لسفك تلك الدماء.
الأمر ذاته يجري في ليبيا، إلا أن رفض الثوار الليبيين لنزول قوات أجنبية على أرض ليبيا حدَّ من اندفاع الغرب نحو إسقاط حكم القذافي لاسيما وأن إيطاليا العضو في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي لها مصالح موثقة باتفاقات، وروسيا والصين على وفاق مع سلطة القذافي ولهما استثمارات بترولية في ليبيا، وأمريكا لا تزال تعيش حربين تحاول التخلص منهما ومن آثارهما الاقتصادية المدمرة للاقتصاد الأمريكي.
لا غرابة أن تنسحب أمريكا من قيادة العمليات ضد القذافي وتسلم الراية لحلف الناتو، ولا ضير في أن يكشف حلف الناتو عن التكلفة المالية لحماية المدنيين الليبيين، والخطر الذي يهدد طيّاريه، لتبرير التراخي في صد قوات القذافي التي تقصف المدنيين والتحوّل من حماية المدنيين إلى الدعوة إلى وقف إطلاق النار.
حلف الناتو سيسقط حكم القذافي في حالة واحدة إذا تأكد فيها أنه سيكون له نفوذ على البترول الليبي. وفي هذا السياق فإن استخدام القوة العسكرية ضد إيران لم يعد خياراً مطروحاً تستوجبه قنبلتها النووية أو قمعها الدموي للاحتجاجات الشعبية.
ترى هل سيبقى الموقف في ليبيا كما هو الحال في ساحل العاج بين كر وفر إلى أن تتأكد الدول الكبرى أن مصالحها ستصبح في أيد أمينة وأن الخلف في ليبيا سيكون أفضل من السلف في حماية مصالحها؟