الذي قد لا يعلمه الكثيرون هو أن أكثر من 70 في المائة من سكان ما يُعرف بجغرافية إيران السياسية هم من الشعوب غير الفارسية، وأن هذه الشعوب التي ضُمَّت مناطقهم إلى مكون إيران الجغرافي نتيجة تحالفات سياسية دولية أرادت تكوين كيان يحرس مصالحها في المنطقة الفاصلة بين المياه الدافئة في الخليج العربي الذي كانت الدراسات قد بشرت بوجود مكامن واحتياطات ضخمة من البترول فيه؛ ولهذا فقد عملت القوى الغربية آنذاك على تكوين كيان إقليمي يحظى بمساندة الغرب وتقويته عسكرياً؛ حتى يكون فاصلاً بين المناطق التي تضم مصالح الغرب التي كانت تُشكِّل مستعمراته شرق السويس، والاتحاد السوفييتي الذي كان يحلم هو الآخر آنذاك بأن يكون له موطئ قدم في المياه الدافئة.
وهكذا أُنشئت إيران، ووجد الغرب ضالتهم في الجنرال الفارسي بهلوي ضالتهم؛ حيث ضم إلى هضبة فارس مقاطعة بلوشستان السنية وجزءاً من كردستان، واقتطع من أذربيجان جنوبها، وتآمر البريطانيون مع الجنرال بهلوي واعتقلوا الشيخ خزعل أمير إمارة الأحواز؛ لتُضَمّ هي الأخرى إلى إيران، التي أصبحت دولة مترامية الأطراف، تضم العديد من المكونات الاثنية، فإضافة إلى الفرس هناك العرب والأكراد والبلوش والآذريون، الذين يعتنقون مذاهب مختلفة؛ فالأكراد والبلوش ونصف العرب والآذريون من أهل السنة والجماعة، وغرب إيران والنصف الآخر من العرب من الشيعة.
من هذا (الموزايك) العرقي والطائفي تكوَّنت إيران، وقد عمل الغرب بكل السبل على تقويتها وجعلها الأقوى عسكرياً من كل دول المنطقة، كما عزَّز نفوذ ابن الجنرال بهلوي، وزوَّد الإمبراطور الفارسي الشاه رضا بهلوي بأجهزة وقوى قمع ونفوذ سياسي غربي جعلته يفرض قوته وبطشه على الشعوب الإيرانية وعلى المنطقة، حتى أصبح يُطلق عليه ب»شرطي الخليج العربي».
وهكذا كُتب على الشعوب غير الفارسية أن تظل تحت مطرقة البطش الفارسي، وحتى بعد تغيير النظام بعد انقلاب خميني استمر الحال على ما هو عليه بل عانت الشعوب غير الفارسية عذاباً أشد بعد أن انتهج النظام الجديد النهج الطائفي والعنصري؛ وهذا ما دفع هذه الشعوب إلى المطالبة بحق تقرير المصير؛ حيث تكونت جبهة تجمع عرب الأحواز وأتراك أذربيجان الجنوبية والبلوش عام 2005، وعُقد أول مؤتمر لها في العاصمة البريطانية، ووضعت خطة للتحرك لتنفيذ آمال وطموحات هذه الشعوب التي تعاني عذاب وويلات تسلُّط نظام طهران الذي يعادي كل مَنْ لا يتفق معه في أفعاله العنصرية والطائفية المختلفة، وهو ما يفرض على كل الشعوب والدول أن تقف مع هؤلاء المظلومين الذين ضُمُّوا إلى كيان مختلف قسراً، ويُعامَلون معاملة غير إنسانية بعنصرية مقيتة؛ فهؤلاء القوم وهذه الشعوب تلاقي ظلماً فادحاً وتغيُّباً لحقوقها؛ ما يفرض على جميع الشعوب المحبة للسلام والمنظمات الداعمة لحقوق الإنسان أن تساعد هؤلاء الساعين لنَيْل كرامتهم وحقهم في الحياة، والتصدي لنظام لا يزال يعيش عقلية القرون الوسطى.
JAZPING: 9999