قبل ثلاثة أيام قدمت قناة أم بي سي في برنامج الثانية مع داوود الشريان حديثا ثلاثيا عن مشاكل المرور ومستقبلها في مدن المملكة العربية السعودية وخصوصا في الرياض كنموذج. شارك مع مقدم البرنامج نائب مدير عام مرور الرياض ومحدثكم هنا كطبيب كما شارك بمداخلة جزئية ناقدة وجريئة مدير عام مرور مدينة الرياض.
دار الحديث بكثير من الصراحة عن مشاكل مدينة الرياض مع أعداد السيارات فيها وما يترتب على ذلك من مشاكل صحية واقتصادية وإهدارللوقت وساعات العمل وشحن نفسي وتوتير أعصاب.
خلاصة الحديث تركزت في النقاط التالية:
1- تسير في شوارع مدينة الرياض يوميا قرابة مليون سيارة تقطع كل مركبة منها حوالي ستين كيلومتر في المتوسط. هذا يعني ستين مليون كيلو متر يوميا في مدينة واحدة.
غازات العوادم التي تنفثها تلك المركبات في أحشاء العاصمة كل يوم بما تحتويه من معادن ومركبات سامة ومؤكسدات ومسرطنات وأول ثاني أكسيد الكربون تبلغ مقادير مرعبة.
لذلك نرى مدينة الرياض تستيقظ كل صباح وسط بالون ضخم من التلوث البيئي المشبع بالغبار الصحراوي ومسحوق الإسمنت ومواد الطلاء والمذيبات الصناعية وأدخنة الفنادق والمطاعم المختلطة بما ذكر أعلاه من انبعاثات عوادم مليون سيارة.
2- لا توجد في مدن السعودية كلها وسائل نقل مدنية سوى السيارات، تشكل السيارات الخاصة منها أكثر من 90% من العدد الإجمالي.
خطوط الترام الأرضية وقطارات الأنفاق وحافلات النقل العام النظيفة والمكيفة والمجدولة بمسارات وأوقات معينة ودقيقة على مدار الساعة لا وجود لها في كل مدن المملكة.
3- حافلات النقل المدرسي الآمنة والمنضبطة، كما هي موجودة بشكل إلزامي وطبيعي كواحدة من واجبات الدولة في كل العالم تقريبا، هذه الخدمة أيضا غير موجودة في السعودية.
4- التسارع الرهيب في أعداد سكان المدن الكبرى في المملكة يجتذب باستمرار مزيدا من المركبات بوتيرة أسرع كثيرا من محاولات التوسع والتطوير في إيجاد الطرق الكفؤة والكافية وفي الجهود التقنية المبذولة لتلافي الانهيار المحتمل لحركة السير في الرياض خلال السنوات القليلة المقبلة.
ذكر في النقاش أن المعدل العالمي لنسبة مساحات الشوارع إلى المنشآت والمباني يقع في حدود 40% أما عندنا فلا يتعدى 25% فقط لا غير.
5- عدم إيجاد البدائل الأخرى للنقل داخل المدن منذ الطفرة الأولى واستمرار الاعتماد على امتلاك المركبات الخاصة ترتب عليه سحب مئات البلايين من الريالات من جيوب المواطنين وضخها في جيوب وكلاء بيع السيارات وقطع الغيار وورش الإصلاح ومحلات تغيير الزيوت والشحوم ومحطات الوقود إلى آخره. بالمقابل يتم سحب ملايين الأطنان من ملوثات البيئة القاتلة من عوادم تلك المركبات وضخها في رئات ودماء المواطنين.
ليس ثمة مثل ينطبق على ذلك أصدق من مقولة يا من شرى له من حلاله علة. هذه العلة المستدامة تترك أكثر من سؤال عن المستفيدين منها في حاجة إلى إجابة.
ربما نسيت بضع نقاط قيلت في ذلك النقاش الصريح عن مشاكلنا الحالية والمستقبلية مع المرور في مدن المملكة الكبرى. لكنني تذكرت الآن أننا نسينا التطرق في البرنامج إلى ذكر أحباب مدينة الرياض وعطرها الفواح والمتواجدة في كل حي وشارع، وأقصد بها صهاريج شفط البيارات وما تبخه في شوارعنا يوميا من مليارات المليارات من الجراثيم والفطريات والسموم والتي تتقاطر من مؤخراتها وجوانبها فضلات البشر على الشوارع مستهزئة بصحة البيئة والقائمين عليها.
أرجو أن تتحملوني قليلا وتتقبلوا إضافة النفحة الجرثومية من صهاريج النفط إلى المزيج القاتل من ملوثات العوادم والمصانع والبناء السابق ذكرها إلى ذلك البالون الضخم الذي نراه يغلف مدينة الرياض كل صباح.
أسعد الله صباحك يا رياضنا الجميلة وصباح كل مدننا وقرانا بصحة بيئية أنقى وأفضل.