تدخل (الكاف) على الأسماء الظاهرة للتشبيه، كقوله تعالى (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ) [ هود-42]، وتدخل في الجملة الاسمية لتشبيه أحد ركنيها بالآخر؛ كقوله تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ) [آل عمران-59]، وربما تتقدم الكاف فتفتح (إنَّ) لدخول الكاف عليها (كأنّ)، وتتركب معها دالةّ على التشبيه، قال تعالى (الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ)[النور-35]، ولا تدخل الكاف على الفعل إلا أن يفصل بينهما بحرف مصدري يؤلف مع الفعل اسماً تدخل عليه الكاف (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ) [البقرة-198]، ويكثر استعمالها داخلة على الجملة الاسمية دخولها على الأسماء المفردات، وليست تدخل إلا أن يفصل بينهما بحرف مصدري هو (أنّ) ولكنّا رأينا كيف تركبت الكاف مع أنّ (ك+أنَّ) في آية النور، وهذا المركب يهب ما دخل عليه شبهاً بغيره؛ فإن أريد للجملة الاسمية كلها لا أحد ركنيها أن تكون مشبهاً به وجب أن تدخل (ك) من غير تركب مع (أنّ)؛ ولذلك تقحم (ما) الكافة عن التركب، وهكذا يكون لدينا (كما أنّ) وهو استعمال لم يرد في القرآن الكريم، ولكنه كثير في النثر والشعر المتأخر، قال الشاب الظريف:
وَكَنْزُ اصْطِبَارِي عِنْدَ فَقْدِكَ نافِذٌ
كما أنَّ سهمَ اللَّحظِ في القلبِ نافِذ
وقال ابن مشرف:
ودونك نظم بالنصائح قد زها
كما أن نظم العِقد يزهو به الدر
وقال ابن عبدربه:
بقاءُ لئامِ الناسِ موتٌ عليهمُ
كما أنَّ موتَ الأكرمينَ بقاءُ
جاء في الكامل للمبرد (3: 40) «والأسد أنتن السباع فماً، كما أن الصقر أنتن الطير فماً» وجاء في الإمتاع والمؤانسة (1: 34) «لأن النفس تمل، كما أن البدن يكل»، (1: 90) «وهي شبيهة بالسراب، كما أن الأخرى شبيهة بالماء». وجاء في البيان والتبيين(1: 90) «كلام الناس في طبقات كما أن الناس أنفسهم في طبقات»، وفي البخلاء (2: 16): «وإنما القلب باب العقل كما أن النفس هي المدركة». وجاء في البصائر والذخائر(1: 44): «الأدب في الإنسان نور العقل، كما أن النار في الظلمة نور البصر». والذي يمكن أن نستخلصه من جملة استعمال (كأنّ) و(كما أنّ) هو أن (كأن) لتشبيه مفرد بمفرد و(كما أنَّ) لتشبيه جملة بجملة، أي تشبيه مضمون جملة بمضمون جملة أخرى. ويمكن لمن يريد التأويل أن يقول إن الكاف لتشبيه المصدر المفهوم من الجملة الأولى بالمصدر المفهوم من الجملة الثانية، فيقال في الجملة الأخيرة: كون الأدب في الإنسان نور العقل ككون النار في الظلمة نور البصر. وقولنا (كون) هو ما قصدناه من مضمون الجملة.