رددها في صباح جلسات منتدى الإدارة والأعمال الثاني الذي نظمته مؤخراً مجموعة نماء المعرفية، مرات عدة حين كنت في استقبال المشاركين في المنتدى من متحدثين وضيوف، وحين بدأنا في محاولة إعداد الجلسة الخاصة به، وكان متحدثاً هو ومعالي مساعد رئيس مجلس الشورى رئيساً للجلسة الدكتور عبدالرحمن البراك. كرر تلك المقولة وأكد عليها وقال : نحن نعاني من أمرين كلاهما يفتقد الآخر
وهو إما أننا ننشغل بالممارسة والتطبيق أو ننحاز نحو التنظير والتصور، وتساءل لم لا تجمع حتى تثمر.
تعليقي على ما ذكر:
من الواضح جداً أن حصول ثغرة بين الأمرين يحدث شرخاً يصعب مداواته على كل أحد، ولهذا نرى بعض الأفراد يدلي بحجج ونظريات وحلول لبعض المشكلات في المجتمع، ولو أردناه أن يقوم بمعالجة تلك العقبات بنفسه لوجدته عاجزاً، لطول الفترة التي قضاها في التنظير والتصور ورسم الحلول. وفي الناحية الأخرى نجد المنهمك في التفاصيل والممارسات العملية التي تستغرق زمناً وجهداً وفكراً ألهته عن الوقوف بعيداً ولو قليلاً لتحليل ما يقوم به النبي- صلى الله عليه وسلم- مثال رائع يحتذى به في القيادة العملية التي شملت (النظرية والممارسة) لو سردنا سيرته لوجدناه متكامل التواجد قادراً على دراسة المستقبل بشكل دقيق وواف ومع هذا لو أتيناه عند الممارسة لرأيناه ممارساً ومطبقاً فقد جمع بين (التصور والتخطيط والممارسة والتنفيذ).
وما أحدث ثغرة اليوم في حياة المسلمين هو فهمهم واطلاعهم على الإسلام منهجاً وتخليهم عنه وتبرئهم منه تطبيقاً، القائد الذي أشبع عقله وتصوره بمعرفة أصول القيادة وأسسها ومناهجها ودرس كيفية تحويلها لنماذج ممارسية لما حان موعد الممارسة تقاعس وتخاذل وعجز عن نقل (المعلوم للمعمول) وهي مصيبتنا التي كدرت خاطرنا، لماذا يا ترى؟ هل لأنه أخل في بعض المعلومات فلم يستوفها حقها من الدراسة والتعلم؟ أم لأن الصعوبات كانت أكبر من قدراته ومهاراته؟ كلا ليس كلا الأمرين إنها العزيمة القاهرة التي هي صمام ووقود القيادة الناجحة التي تهون الصعاب وتقهر التحديات وتفتت العوائق فقدها ففقد قوته.
القيادة الحقيقية هي التي يحمل صاحبها همها ليله ونهاره في حله وترحاله، قد علم حجمها وأقر بضخامة أتعابها وعلم أنها تكليف يجب أن يقوم بحقه كما كلف. كما كان عمر- رضي الله تعالى عنه- لما تولى الخلافة لم يهنأ له بال ولم تقر له عين حتى أشبع الجائع وكسا العاري ونفس عن المهموم وأعان المسافر، همه كان أكبر من نفسه وهكذا القائد، فقد بدأ رضي الله عنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يتعلم أصول القيادة وأسسها وكيفية ممارستها ولم يكن حينها سوى جندي في جيش محمد- صلى الله عليه وسلم- ومتعلم في مدرسته يستقي منه التدريبات في كيفية حل المشكلات والتعامل مع العوائق والتكيف مع الأزمات وينهل منه في كيفية التعامل مع الأتباع ومخاطبتهم يصغي للنبي- صلى الله عليه وسلم- في معرفة رسم السياسات ووضع الخطط الإستراتيجية وهو في فترة (التعلم والتصور والنظريات التي لا بد من القائد من الاهتمام بها). فلما تولى عقب خلافة أبي بكر استرجع الدراسة والمعلومات التي كان قد أخذها وتعلمها من النبي- صلى الله عليه وسلم- ولم يأخذها حفظاً وتقليداً كما يفعل قادة اليوم الذين يهوون تقليد قادتهم الكبار في الكلام واللباس بل كان عمر ذا رأي وبصيرة وسار على الخطوط الكبرى ونحا نحوها فقام بدور القائد المستقل الذي درس هموم عصره ومشكلاته ووضع خطط تنمية تتناسب مع حاجات المجتمع، فلننظر للخطوات العملية التي قام بها هذا القائد العبقري:
1- ألقى خطبة عالمية بين فيها سياسته وكانت مليئة بالشفافية والصدق والشجاعة.
2- وأعلن أن الطاعة له مقيدة بطاعة الله تعالى ورسوله وهذا من يدلك على ثقة القائد بنفسه.
3- طلب من الناس النصح والإرشاد والتنبيه على الخطأ إن رأوه وهو من شروط القيادة الناجحة تواضع القائد ومشاورته.
4- قام يعظ الولاة ويذكرهم بخطورة ما تولوه وأنهم مساءلون عنه.
5- عين وزيرا خاصا لمتابعة الولاة وهو (محمد بن مسلمة).
6- منع من التسول في الطرقات ووضع للعاطلين عن العمل ما يسد رمقهم.
7- بنى بين مكة والمدينة (بيوتا لعابري السبيل) حتى يستريحوا بها إن هم عبروا معها.
8- وأقر نظام الحسبة وعين الموظفين.
9- منع الغش والاستغلال ورفع الأسعار.
كل هذا لم يأمره به أحد مباشرة لكن لما تعلمه وتصوره وفهمه قام به ممارسة وتطبيقا حتى أذعنت له أراضي المعمورة سمعاً وطاعة وما قام به هو يعطي إشارة لأهمية الجمع بين (النظرية والتطبيق) فلو لم يكن هناك فكر وتصور لما أحدث هذا الدور العظيم فـ 10 سنين سمان كان فيها قائدا ومفكرا وفارسا وقاضيا وشفيقا على الفقراء والمساكين. هذا يا دكتور يوسف واقع عملي للجمع بين النظرية والتطبيق الذي نحن بحاجته إضافة، ولهذا قيل يجب أن تكون النظريات 20% والممارسات التنفيذية 80% حتى تصبح القيادة ناجحة وفعالة.