وجهت لي من الهيئة العامة للسياحة والآثار دعوة كريمة لزيارة منطقة جازان، ضمن برنامج الهيئة الذي تنظمه في كل عام، أو أكثر من مرة في العام تدعو إلى المشاركة فيه النخب من الكتاب والمفكرين والمثقفين؛ ويبدو أنهم يركزون أكثر على دعوة كتاب الأعمدة الصحفية - وأنا لست منهم - الذين يتوقع منهم أن يكتبوا من خلال أعمدتهم مشاهداتهم للمناطق التي يدعون إلى زيارتها، خاصة المعالم الآثارية والتاريخية والسياحية، وكذلك التراثية وغيرها للتعريف بها لدى قرائهم. وهي فكرة تشكر عليها الهيئة؛ لأنها من خلال تبني مثل هذه البرامج تمكن الكتاب والمثقفين من التعرف على أجزاء من بلادهم ربما لم يتهيأ للبعض منهم زيارتها من قبل.
وبرنامج الهيئة لا يقتصر فقط على دعوة السعوديين، بل قامت كذلك بدعوة الكتاب والمثقفين من دول مجلس التعاون والدول العربية. وهذا البرنامج أو ما تسميه الهيئة القافلة هو البرنامج أو القافلة العاشرة، وقد تبين لي أن القائمين على هذا البرنامج أصبحوا يملكون من الخبرة والدقة في تنظيم هذه القوافل ما يجعلنا نقف لهم إجلالاً، وجميعهم من السعوديين الشباب الذين لا يتجاوز أكبرهم سناً الثلاثين من عمره، يشكلون طاقماً متكاملاً من الصحفيين والمصورين والفوتوغرافيين والمرشدين السياحيين والمسؤولين عن الضيافة والاستقبال المستعدين للإجابة عن كل سؤال يدور في خلد أي من الضيوف.
حينما اتصل بي الأخ محمد الرشيد، وهو مهندس ومدير مشروع القافلة هاتفياً موجهاً الدعوة، ومعرفة رغبتي المسبقة في المشاركة حسب الظروف التي لا تتعارض مع الزمن الذي حدد لانطلاق القافلة أبلغته بالاستجابة فوراً ما دامت الزيارة إلى جازان، وسأوضح ذلك تالياً مع وجود بعض الالتزامات التي يمكن تأجيلها، وحمدت الله أن موعدها لا يتعارض مع مناسبتين مهمتين بالنسبة لي هما مناسبة معرض الكتاب الدولي في الرياض، ومناسبة توزيع جائزة الملك فيصل العالمية.
وكان موعد رحلة الذهاب إلى جازان في اليوم التالي لتوزيع جائزة الملك فيصل التي أحرص على حضورها سنوياً، وقد تزامنت مع نهاية المعرض.
بعث إليّ الأخ محمد الرشيد مدير مشروع القافلة بالبرنامج المفصل للرحلة، ولم يكن محتوياً على أسماء المدعوين، ولم أكن حريصاً على معرفة أسمائهم، أو حتى سؤال الأخ محمد عنهم لإيماني بأنهم من النخبة المميزة من أبناء الوطن، وهذا ما عودت نفسي عليه دائماً حتى في المقابلات التلفزيونية لا أسأل المذيع أو المذيعة من هو شريكي في البرنامج، حتى وإن كان ممن أختلف معه في وجهة النظر، أو يختلف مع وجهات نظري، وأنا أعرف أن كثيراً من الإخوة المثقفين لا يقبلون المشاركة في ندوة تلفزيونية أو صحفية حتى يعرفوا أولاً من هم نظراؤهم أو المشاركون معهم. وبناءً على المعرفة المسبقة يقررون المشاركة أو الرفض، وكنت ألاقي اللوم أحياناً من بعض الإخوة قائلين: كيف تقبل أن تظهر في ندوة تلفزيونية أو صحفية مع فلان، فيكون جوابي: كل له الحق أن يبدي رأيه إذ لو امتنع كل منا عن مواجهة كل من يختلف معه في وجهات النظر، فكيف يمكن أن يوصل كل منا وجهة نظره للآخر المختلف. ولهذا صدر كتابي الأخير بعنوان: «مواجهات» - وهي مواجهات مع كل من يختلف معي، أو له وجهة نظر تختلف عن وجهة نظري - وقد عُرض في معرض الرياض الدولي للكتاب الأخير. إن الهروب من المواجهة بمحاولة إقناع الآخر بوجهة نظرك على أسس نبيلة من المواجهة يشبه الهروب والتولي يوم الزحف في الدفاع عن الأوطان والمبادئ النبيلة.
غادرت قافلتنا ممتطين صهوة الخطوط الجوية العربية السعودية من مطار الملك خالد الدولي بالرياض بعد ظهر يوم الاثنين الموافق: 9-3-1432هـ 14- مارس -2011م. التقيت في المطار بأول رفاق الرحلة الدكتور حمزة المزيني، وكذلك الأخ محمد الرشيد منسق الرحلة، وبعض الإخوة المصورين، وأخبرني الأخ محمد بأن هناك من المدعوين ممن سيصلون من المنطقة الشرقية، ومنهم آخرون من مدينة جدة، وكذلك من مدينة أبها.
كنت بحق مشتاقاً لرؤية جازان إذ مضى على آخر زيارة لها ما يقرب من السبع سنوات تلبية لدعوة وجهت لي من محافظ أحد المسارحة، حينذاك، محمد بن ناصر بن لبدة بتاريخ: 28-12-1425هـ يناير 2005م لإلقاء محاضرة عن الإرهاب، وكنت في شوق إلى الإطلاع على ما شهدته جازان من تغيرات تنموية كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية. منذ اللحظات الأولى لوصولنا مطار جازان بدأت أشاهد هذا الفرق في التحول الكبير الذي تشهده المنطقة من جمال وسعة ونظافة الطرق ما بين المطار إلى النزل أو الفندق المعد لنزولنا، وهو فندق حديث يحمل اسم جازان. إن من يعمل في الاستقبال هم شباب سعوديون استقبلونا بابتسامة جازانية جميلة، وأعطوا كل منا باقة من الزهو والورود الجازانية ذات الرائحة العبقة، قلت في نفسي من خلال ذلك الاستقبال الجميل والفندق النظيف هذه علامات مبشرة بنجاح واعد للسياحة في منطقة تتوفر فيها كل مقومات السياحة الجبل والسهل والبحر، وفوق كل ذلك الإنسان. قلت وقد عادت بي الذاكرة إلى ما يزيد عن ثلاثين سنة مضت حين كانت أول زيارة لي إلى جازان يوم كانت الطرقات مغطاة بعلب الكولا والبيبسي والسفن أب الفارغة، لدرجة اعتقدت معها أن بلدية جازان، حينذاك، كانت تستعيض عن القار (الإسفلت) في سفلتة الشوارع، بهذه العلب الفارغة. ووسائل المواصلات داخل المدينة، حينذاك، كانت الدبابات ذات العجلتين. أما النزل أو الفنادق فلا أعتقد أنه كان يوجد بالمدينة فندق واحد، ولا أدري إذا كان في المدينة (بانسيونات) تملكها سيدات أو عوائل مثل تلك التي كانت في مدينة أبها حين زمانها الجميل. الليلة التي مكثتها في جازان وكنت في طريقي إلى اليمن عن طريق الساحل في ضيافة أحد أعيان مدينة جازان الكرام الذي كان بيته مضافة كبيرة يؤمه كل من لا بيت له، يقدم ذلك الوجيه - رحمه الله - الوجبات الثلاث لنزلاء ضيافته دون أن يسأل عن أسمائهم، ولا كم ستكون مدة إقامتهم، ذلك الوجيه والد الصديق المرحوم الدكتور عبدالرحيم عقيل - رحمهم الله جميعاً -.
أجتمع من اجتمع من ضيوف القافلة في هذا الفندق، وتم التعرف على من لم يكن لي بهم سابق معرفة إلا من خلال كتاباتهم مثل الأخ فهد الأحمدي الكاتب في جريدة الرياض، وفاضل العماني الكاتب في جريدة الوطن، وعبدالله العبدالباقي الكاتب في جريدة عكاظ، وجمال بنون الكاتب في جريدة الحياة، وعلي القاسمي الكاتب في جريدة الحياة أيضاً. وقال منسق القافلة محمد الرشيد والمنسق المسئول عن هيئة السياحة والآثار في منطقة جازان المهندس رستم الكبيس وهو خير ممثل للسياحة في المنطقة بعلمه وخلقه بأن ضيوف القافلة ربما يكتمل وصولهم مع صبيحة الغد، لكن الغداة، ثم الضحى، ثم العشية مرت ولم يصل أحد من قائمة طويلة تحمل أسماء كثيرين من الكتاب والمثقفين البارزين كثير منهم لو سمع بمناسبة حتى ولو لم يدع إليها في أي بلد عربي لرأيتهم يهرعون إليها ولو على حسابهم الخاص. أقول هذا من باب العتب على كتاب كبار، أو هكذا نعتبرهم لا يهتمون بالمشاركة في قافلة الهدف منها هو التعرف على كل أرجاء الوطن، ثم التعريف بتلك الأرجاء إلى قرائهم من خلال كتاباتهم.
في جامعة جازان
كانت الفقرة الأولى في برنامج القافلة زيارة جامعة جازان، ذلك الصرح الذي كان إلى وقت قريب حلماً بحت أصواتنا في مجلس الشورى، وعلى أعمدة الصحف نطالب بضرورة المسارعة في إنشاء جامعة في جازان، الحمدلله أن ما كان حلماً أصبح حقيقة ماثلة وفي وقت قياسي وعلى أصول ما يجب أن تكون عليه الجامعة. لقد توافرت لإنجاز مشروع جامعة جازان المقومات الأساسية، الأرض التي أقيمت عليها منشأة الجامعة ما أنجز وما هو تحت الإنشاء. فلقد بدأت بأرض مساحتها حوالي 5 ملايين متر مربع، أضيفت إليها مساحة تقدر بحوالي 7 ملايين متر مربع، وهذا نادر ما يحدث أمام مطامع ملاك العقار الذين يملكون بمواهبهم الخاصة معظم الأراضي داخل المدن والمحيطة بها، أو بيروقراطية وزارتي المالية والشئون البلدية والقروية، ربما يقول قائل إن الأرض في جازان «على قفى من يشيل» وهذه جداً مقولة خاطئة. فالأرض غالية، ومواقع أرض الجامعة أغلى لتميزها بالقرب من ساحل البحر. المقوم الثاني: توفر الميزانية حينما توفرت الإرادة السامية، المقوم الثالث: حسن اختيار مدير متميز للجامعة يملك الإخلاص والشجاعة والنزاهة والتميز العلمي والحس الوطني المرتفع. المقوم الرابع: قابلية المكان وعدد طلاب الجامعة في هذا الفصل يقارب 60 ألف طالب وطالبة، نسبة الطالبات 57%، للجامعة أكثر من 300 مبتعث ومبتعثة في كل أنحاء العالم.
قمنا بجولة على منشآت الجامعة وكلياتها يرافقنا عدد من العمداء، والتقينا بكثير من الطلاب، وأعضاء هيئة التدريس، واستقبلنا في إحدى محطات رحلتنا في الجامعة وكيل الجامعة الدكتور علي العريشي، وهو صديق وزميل قديم، وأطلعنا، في إيجاز كامل، على أحوال الجامعة وطموحاتها؛ وأذهلتني معالم البشر على وجوه الطلاب وجديتهم وارتفاع الوعي لديهم. كما أذهلتني ضخامة البرامج التي تقوم بها الجامعة من حيث ربط الجامعة بالمجتمع من خلال مختلف البرامج الاجتماعية والثقافية، وتنظيم حلقات ربط المواطن بالجامعة، وقيام الجامعة بدورها الطبيعي في نشر المعرفة والتوعية والتثقيف في صفوف الأهالي، وتنظيم الدعوات لأولياء أمور الطلاب للتعرف على الجامعة، وإقامة موسم ثقافي على مدى العام يُدعى له كبار المفكرين ورواد العلم والمعرفة والاقتصاد، وأسعدني مشروع المستشفى الجامعي الملحق بكلية الطب الذي بدأ العمل بهما كونه يتسع لحوالي 600 سرير وهو قابل للتوسع، وهذا سيحدث نقلة صحية لمنطقة جازان والمناطق المجاورة لها.
كما أسعدتني طموحات الجامعة في التعامل مع المظاهر البيئية البحرية والبرية والغطاء النباتي، والنهوض بمستوى الزراعة، وإن كنت مستغرباً لعدم سماعي عن وجود كلية للزراعة ضمن أكثر من 50 كلية تتكون منها الجامعة إلا إذا لم أتنبه لوجودهما من عدمه، نظراً لتركيزي وجذب انتباهي بسبب الذهول لعدد الكليات والتخصصات التي تزمع الجامعة إتاحتها أمام الدارسين. اهتممت بكلية الزراعة لسبب أن منطقة جازان هي المنطقة الزراعية الأولى على المستوى الوطني؛ فليست بأرض مصطنعة للزراعة، فهي أرض السهول الخصبة، والأمطار الدائمة، والإنسان النشيط.
في مساء اليوم الأول للزيارة أقامت لنا الجامعة حفلاً ثقافياً وفنياً وتراثياً كان رائعاً شارك فيه كل ضيوف القافلة، جنباً إلى جنب مع الفرق المشاركة من زهرات شباب جازان، اختتمنا الأمسية الجازانية الرائعة بوجبة عشاء جازانية خالصة، والمطبخ الجازاني غني يمثل غنى الأرض الجازانية، والكرم الجازاني الأصيل.
زيارة جبل فيفا
يقال خطأً إنه جبل فيفا وفي الواقع أن فيفا تتكون من عدة جبال ذات علو شاهق تعانق السحاب، بل السحاب يمر من تحت الساكنين في أعالي تلك الجبال الرائعة في جمالها، والبهية في منظرها، العجيبة في تكوينها، المتميزة بتراثها العمراني قبل أن تشوه تلك الطبيعة الجميلة عشوائية المباني الحديثة، أو ما يسمى بالحديثة، لأنها مبنية بالإسمنت والحديد بشكل عشوائي مشوه للبيئة غير متجانسة مع الطبيعة.
في فيفا كان لنا لقاء مع رئيس مركزها الذي أعد لنا يشاركه أعيان فيفا وجبة غداء دسمة. والغريب أن فيفا مع أهميتها وجمالها وتاريخها مازالت لم تصنف محافظة. كما كان لنا لقاء مفتوح مع مشايخ وأعيان جبال فيفا، وكان شيخ شمل فيفا، الشيخ أحمد الفيفي، شيخاً مثقفاً وخطيباً مفوهاً تحدث عن تاريخ فيفا وعن سكانها، وعن الصعاب التي تواجه السكان هناك، مثل مشكلة تأخير مشروع الصرف الصحي الذي كلما تأخر تنفيذه زاد من خطورة تساقط المنازل المبنية على حواف صخرية حينما لا تجد المياه مجاري لتصريفها؛ مع أن هناك دراسة للصرف الصحي في جبل فيفا، وضعتها شركات دولية متخصصة من بلدان بها ما يشابه طبيعة جبال فيفا ولكن فكرة التنفيذ مازالت متعثرة، وكذلك تحدث باسم سكان فيفا عن معاناة السكان في الحصول على صكوك ملكية لمنازلهم التي بنيت على أراضيهم التي يتوارثونها أباً عن جد، وكل يعرف مساحة أرضه، ويشهد له بذلك جيرانه، وعدم حصولهم على صكوك بحجة أن فيفا ليس لها نطاق عمراني، أو لا تدخل ضمن النطاق العمراني وهذا فعلاً أمر غريب أن تعامل منطقة جبلية مثل فيفا مثلها مثل مخطط في الصحاري الواسعة أو في الأراضي المنبسطة، أستغرب من ألا تراعي كل من وزارتي العدل والشؤون البلدية والقروية الخصوصية المكانية لفيفا وما على شاكلتها، كثير من جبال عسير والباحة والحجاز، وأناشد الوزارتين المحترمتين بأن تبادرا بشكل عاجل وغير آجل بمراعاة هذه الخصوصية لجبال فيفا وما على شاكلتها، لأن سكان مثل هذه المناطق حرموا من قروض البنك العقاري، وحرموا من التعويضات عند فتح الطرق أو بناء منشآت حكومية بحجة أنه ليست لدى أصحاب هذه الأملاك صكوك شرعية. ثم أخبرنا الشيخ أحمد المتحدث باسم الأهالي بأن هناك جهة حكومية جديدة ظهرت لهم في الطريق وهي هيئة المساحة الجيولوجية التي ذكروا أن خبراء هذه الجهة يرون، بناءً على خبراتهم، أن جبال فيفا ستتعرض لزلازل بسبب تركيبتها الجيولوجية، وأوصوا بوقف البناء أو التصرف من قبل الأهالي في فيفا خوفاً من وقوع ذلك الزلزال الذي لم يحددوا زمن وقوعه.
توسم فينا أهل فيفا الخير، بحكم أن من بيننا كتاب أعمدة يومية، وصحفيين مرموقين؛ أما أنا فكانوا يخاطبونني بصفتي عضواً في مجلس الشورى، وبعضهم لا يعلم أن فترة عضويتي في المجلس قد انتهت ولكنهم يصرون على ذلك من خلال قولهم نعرفك من خلال ظهورك في التلفزيون من وقت لآخر، فأوصل صوتنا إلى القيادة ليعرفوا ما نحن عليه من المعاناة وكنت أجيبهم ومعي زملائي في القافلة بأن القيادة تسمع أصوات كل المواطنين وتوليها اهتمامها، ولكن أمام إلحاحهم ومسئوليتي كمواطن أدعو كل مسئول إلى الالتفات إلى مطالب المواطنين.
ووعدناهم أن نوصل أصواتهم ومطالبهم إلى المسئولين، وأولهم وأكثرهم تفهماً لكل قضاياهم أمير منطقة جازان الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز رائد التنمية الحديثة لمنطقة جازان والممثل الأمين للملك المصلح قائد الإصلاح الملك عبدالله بن عبدالعزيز صاحب المواقف التاريخية مع أبناء منطقة جازان.
وكعادة أهل المناطق الجبلية المعروفين بكرمهم حاول كل من قابلناه من أهل فيفا أن يستضيفنا ضيافة خاصة، ولم نتخلص إلا بوعدهم في زيارات خاصة وغير مبرمجة مثل زيارتنا هذه، مع أننا نريد أن نزور فيفا والمناطق السياحية بوصفنا سياحاً نسهم في التنمية الاقتصادية السياحية، ولا نكون عبئاً على السكان من خلال تلبية الرغبة الفطرية في إكرام زوار مناطقهم.
يحكى أن سائحاً خليجياً زار قرية جنوبية مع أفراد أسرته واستأجر بيتاً، ولما علم أهل القرية بوجوده بينهم قاموا بزيارته للترحيب به، وتداولوا على استضافته طوال فترة إقامته الفطور والغداء والعشاء وتقديم الهدايا له ولأسرته، حتى إن صاحب البيت رفض أخذ الإيجار من السائح لأنه ضيف. أخشى على أهل فيفا أن تنطبق عليهم هذه القصة، وفيفا تعد أحد المقاصد السياحية.
في أعلى قمة في جبل فيفا زرنا المهندس المعماري العقيد المتقاعد من الجيش العربي السعودي حسن سالم الفيفي في قلعته التي ابتناها في أعلى تلك القمة على طراز معماري جميل يزاوج بين الأصالة والمعاصرة، اشتغل في بنائها بنفسه على مدى أكثر من عشر سنوات، ونحن جالسون في أعلى تلك القلعة في أعلى قمة الجبل نرى السحاب يمر من تحتنا. هذا البناء الرائع المتميز المراد استثماره سياحياً أنفق على بنائه كل ثروته ومكافأة تقاعده ولم يحصل على أي مساعدة من الصناديق الإقراضية بسبب الحجج التي أشرت إليها سابقاً. ولعل أروع ما تم إنجازه إنمائياً في هذه الجبال هو المشروع المعجزة مشروع إدخال الكهرباء في قمم وسفوح جبال شاهقة وصعبة أنزلت أعمدة الكهرباء وركبت هناك، وتم ربط أسلاك الكهرباء بين الأعمدة بواسطة طائرات طوافة في أواخر السبعينات أوائل الثمانيات من القرن الماضي. رفعت يدي إلى السماء وأنا في هذا المكان، وطلبت من الإخوة أن يرددوا ورائي دعاء للمولى سبحانه أن يرحم الملك خالد، وأن يرحم الوزير غازي القصيبي، وأن يهدي الكوريين المهندسين والعمال الذي نفذوا المشروع إلى اعتناق دين الحق.
وقلت لو جرت العادة بأن يقام مجسم لمن ميز نفسه بأعمال خدم فيها هذا الوطن لطالبت بإقامة مجسم للملك خالد، والدكتور غازي القصيبي، وللمهندس الكوري إلى جانبهما في أعلى هذه القمة لنقدم لهم دائماً تحية الشكر والعرفان.