فاصلة:
(لا توضع الحلقات الذهبية في كل الآذان المثقوبة)
- حكمة عالمية -
هل تستطيع أن تعيش في بلد كبريطانيا كما كنت تعيش في بلدك؟
بلد فيه اختلاف جذريّ في الثقافة وأقل فترة عليك أن تعيشها فيه إذا كنت مبتعثًا للدراسة لا تقل عن سنوات. ترى ماذا يفعل الطلاب في التكيّف مع ثقافة المجتمع البريطاني، أقول التكيّف لأن عدمه يدخل الإنسان في دائرة عنيفة من الصراع بين ما اعتاده وبين الجديد.
من وجهة نظري فإنّه من المهم بدءاً أن نستوعب ثقافة البريطانيين ونتفهمها وليس بالضرورة أن نقتنع بها ونقلّدها، لكن من المهم ألا نعيب عليها فهي جزء منهم ونحن نعيش في بلادهم. اختلافات الأكل والشرب والتعامل اليومي ليست أمراً عسيراً لكن اختلاف الأفكار هو الذي يربك البعض منّا. في البدء على الفتاة أن تنسى الرفاهية التي عاشتها في بلادها، وتعتاد تحمّل المسئولية فهي من يخدم نفسها، أما الشاب فعليه أن ينسى تمامًا الوصاية على المرأة التي اعتادها في بلاده وينسى أنه الرجل المخدوم. فالحياة هنا عبارة عن أدوار متنوعة لكلّ دوره، والأدوار اجتماعياً مقسمة ليست حسب النوع وإنما حسب المقدرة. كثير من المشكلات الاجتماعية تحدث في الأسر السعودية هنا بسبب اعتياد الزوج والزوجة على حياتهم السابقة واجترار نفس السلوكيات بينما الحياة هنا مختلفة تمامًا. الزوجة السعودية التي تنتظر الخادمة أن تحمل عنها عناء إدارة شئون المنزل لا توجد هنا، والزوج الذي ينتظر السائق ليتحمل مسئولية قضاء حوائج المنزل ليس هنا. ومثلما يدرس الزوج تدرس الزوجة وبالتالي عليهما إن رغبا الحياة بسلام أن يعيدا توزيع الأدوار في الأسرة لتصبح الحياة تعاونًا ومشاركة في أدق تفاصيلها، الأمر الذي لم تعتاده الأسر في بلادنا. أما الشاب الأعزب أو الفتاة العزباء فإن مسئولية الاعتماد على النفس تبدو ثقيلة في بداية الأمر، لكن الشباب يبدون أكثر مرونة في الانخراط في الحياة إلا البعض الذي لم يعتد أن يفكر بل اعتاد أن يفعل ما اعتاده ويظل متعجبًا كيف يبدو غريبًا بين الناس. ما أتحدث عنه هو الأفكار والقيم ولا أتحدث عن القيم الدينية تحديدًا، فهي لا تتغير وفي بريطانيا لا يتدخل أحد في شئون ممارستك لطقوسك الدينية ما دمت لا تقتحم خصوصية الآخرين.
في الغربة إذا لم تكن مرناً بما يكفي لتعيش فإن عمرك سوف ينضوي تحت أنقاض التذمر دون أن ينصت لك أحد.