التحديات التي تواجه الإعلام العربي في الوضع الراهن هي تحديات حقيقية وصعبة وتحتاج إلى وقفات جوهرية من المؤسسات الإعلامية العربية.. وخاصة أمام الحالة العربية الحالية.. ويحق لنا كإعلام، وكإعلاميين، وكمؤسسات، وكدول ومجتمعات أن نبحث عن إجابات لأسئلة محورية في إطار التحديات التي نواجهها..
والسؤال المحوري الذي نحتاج أن نسأله هو إلى أين يتجه الإعلام بعد تسارع الأحداث في الحالة العربية.. تغيرات جوهرية تعيد هيكلة الفكر والسياسة والمجتمع ومعها الإعلام بطبيعة الحال.. إلى أين يتجه الإعلام هذا هو السؤال الذهبي المطروح حاليا في الساحة العامة، وفي أروقة مؤسسات الأكاديميات العربية والدولية.. ولربما نسعى من خلال النقاط التالية توضيح التراجع الكبير في مستوى أداء ودور الإعلام التقليدي..
1. يجب أن يدرك الإعلام العربي أن فلسفة الإعلام قد تغيرت، وأن منظومة الإعلام التقليدي هي إلى التغير، وليست إلى الثبات.. وهي إلى التحول أقرب منها إلى الاستقرار على الوضع القائم.. إدراك هذه الحقيقة يشكل أهمية قصوى في متابعة التفكير في الإعلام العربي وفق معطيات الحالة العربية والدولية التي يعيشها الإعلام الحالي. ولا شك أن إنكار هذه الحالة التحولية في الإعلام لا يأتي بإجابات محددة وشافية وعلاجية لواقع الإعلام العربي.
2. يجب أن ندرك أن قوة الإعلام قد تخلخلت، وضعفت خلال السنوات الماضية منذ ولوج الإعلام الجديد المتمثل في وسائل الإعلام الاجتماعي وصحافة المواطن والمدونات وغيرها.. ولم تعد قوة الإعلام موجودة في المرسل الإعلامي أو القائم بالاتصال أو فيما يعرف بحارس البوابة، فقد تزحزحت القوة إلى قاعدة الهرم الاتصالي، وتمثلت في قوة جديدة هي قوة المستقبل أو المتلقي أو الجمهور العام. واليوم القاعدة أو المبدأ الجديد في الإعلام الجديد هو مبدأ 1-9-90 ويعني ان تسعين في المائة من جمهور الإنترنت هو جمهور متلق يستمع ويشاهد ويقرأ، وتسعة بالمائة هم جمهور نشط يرد ويحرر ويصحح، أما الواحد في المائة فهم صانعو الأحداث ومولدو المحتوى الإعلامي.. ومع الكم الهائل من المحتويات التي يزخر بها الإنترنت يصبح هؤلاء الواحد في المائة هم قادة الرأي وحارسو البوابة الاتصالية والإعلامية.. ولم يعد الإعلام التقليدي مهيمنا على فضاء الإعلام والاتصال والمعرفة الحديثة لواقع الحياة المعاشة..
3. يجب أن ندرك أن جماهيرية وعرش الإعلام التقليدي لم تعد كما كانت بل تغيرت، وتناقصت جماهيرية الإعلام التقليدي من صحف وإذاعات وتلفزة وكتب مع ظهور بدائل اتصالية جديدة.. وأصبحت وسائل الإعلام الجديد مهددة لكيانات ومؤسسات إعلامية كبرى في مختلف المجتمعات الإنسانية.. لقد أصبح الإعلام الجديد حقيقة ماثلة للعيان، ولم تعد مجرد وهم أو خديعة اتصالية أو فرقعات تقنية في الهواء، بل هي واقع متنام، ومؤثر، وفاعل في تغير الاتجاهات والمواقف، وبناء المعارف الإنسانية والحديثة في العالم..
4. أظهرت الأحداث الكبرى في الآونة الأخيرة أن الإعلام الجديد من فيس بوك وتويتر ويوتيوب وغيرها قد لعبت دورا محركا للأحداث، بينما لعب الإعلام التقليدي دورا متابعا ومحفزا للأحداث، أي أنه جاء لاحقا لدور الإعلام الجديد.. ولهذا فإن أسبقية الإعلام الجديد ودوره في مبادرات الحراك السياسي والاجتماعي يضع علامات استفهام عن دور حقيق يلعبه الإعلام التقليدي في صناعة الأحداث الكبرى في العالم.. وخروج الإعلام التقليدي من صناعة الأحداث يضعف مكانته بين الجماهير العالمية، ويجعله ردة فعل تقليدية لتلك الأحداث..
5. ومع جميع هذه الظروف والمستجدات الاتصالية والتقنية لم تتغير وضعية الإعلام العربي بشكل إجمالي، بل لا زال يراوح مكانه، بنفس الأدوات، وبنفس التوجهات، وبنفس المنهجيات السابقة التي تبني عليها الرسالة الإعلامية، وتصاغ بها البرامج ونشرات الأخبار وتقدم بها المعروضات الإعلامية التقليدية.. ونحن هنا نخص بالأهمية وضعيات الإعلام العربي الرسمي الذي لم يتحرك إلا في مساحات محدودة وضيقة جدا.. ويحتاج إلى مرحلة مراجعة حقيقية لدوره وعلاقاته بجماهيره من المواطنين وغيرهم.. ولا تزال العلاقة بين الإعلام والسلطة متعثرة في كثير من الأحيان، حيث إن الإعلام ينظر إليه على أنه مجرد أداة لتمرير رسائل مباشرة ومكرورة، ولا تضيف جديدا في بناء خطاب إعلامي جديد..
السؤال الأساسي في الإعلام هو أن الاتجاه الذي يتخذه الإعلام التقليدي حاليا يتصف بالعشوائية، ولا يقوده إلى أي مكان جديد.. هناك أمور ومستجدات طرأت على الساحة الاتصالية، وتقنيات عصرية مستحدثة، وهناك جماهير غارقة في أنواع جديدة من الإعلام الجديد.. ولكن مقابل ذلك يظل إعلامنا العربي بدون بوصلة حقيقية توجهه إلى مسارات جديدة تواكب المستجدات وتخدم القضايا الكبرى على مستوى الأمة وعلى مستوى الوطن..