أرغمت المتغيرات الاقتصادية دول العالم على تحسين بيئاتها الاستثمارية لأهداف تنموية؛ فالدول لم تعد قادرة على ممارسة دورها التنموي بمعزل عن تدفقات الرساميل الأجنبية؛ تقليص الفارق في الثروة و المعرفة يحتاج إلى فتح الاسواق، وإطلاق يد القطاع الخاص، وتوفير المناخ الملائم للاستثمارات الأجنبية التي باتت هدفا للدول الغنية قبل الفقيرة. تسابقت دول العالم في تقديم الحوافز المشجعة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية التي تحمل معها، فرص العمل، المعرفة، نقل التقنية، ودعم الاقتصادات الوطنية.
الدول العربية لحقت بالركب متأخرة، وليتها استفادت من تجارب الآخرين!
عدم استيعاب بعضها لأهمية الاستثمارات الأجنبية حولها، برغم الحاجة، إلى بيئة طاردة للاستثمارات.
مخاطر الأسواق العربية لم تمنع رجال المال والأعمال السعوديين من توجيه بعض استثماراتهم التنموية إليها، بطلب مباشر من هيئات تشجيع الاستثمار، وبضمانات حكومية كان يُعتقد أنها كافية لتوفير الحماية القانونية.
شركة «المملكة القابضة» كانت ضمن الشركات المستثمرة في بعض الأسواق العربية، ومن بينها السوق المصرية؛ استثمرت الشركة أموالا طائلة لتطوير مناطق نائية وتحويلها إلى مناطق زراعية، وسكنية مأهولة؛ الحكومة المصرية سعت لتحقيق أهداف تنموية إستراتيجية في منطقة صحراوية لا تستطيع تحمل أعباء تطويرها ما دفعها نحو المستثمر الأجنبي الباحث عن الفرص الاستثمارية الواعدة. هدفت الحكومة المصرية إلى سد الفجوة الغذائية من خلال زيادة الرقعة الزراعية، وتعظيم عوائد الموارد المتاحة، زيادة الصادرات الزراعية، توفير فرص عمل للشباب، والتشجيع على إعمار وتنمية المناطق النائية.
اليوم، تواجه شركة «المملكة القابضة» مصاعب في المحافظة على استثماراتها في السوق المصرية نتيجة المتغيرات السياسية التي يبدو أنها ستقوض جميع الإصلاحات الاقتصادية السابقة. الأمر لا يتوقف عند حفظ الحقوق المالية، بل تجاوزه إلى الحقوق الأدبية ولنعكاساتها السلبية على سمعة الشركة وملاكها!.
الأمير الوليد بن طلال رئيس مجلس إدارة شركة المملكة القابضة، أكد على أن «العلاقة مع الشعب والحكومة المصرية فوق كل شيء»؛ ووفقا لذلك فقد تقدمت الشركة بطلب تسوية يضمن حقوق أطراف العلاقة. التحكيم الدولي قد يكون خيارا مطروحا، ومن وجهة نظر خاصة، أعتقد أنَّهُ الأصلح للجميع، في ظل اتهامات الفساد، والتشكيك في الذمم والعقود.
عقود التنمية والتطوير المُكلفة تفرض على الحكومات تقديم بعض التنازلات، والدعم للمستثمر الأجنبي في مقابل تحقيق التنمية من خلال الاستثمار المربح. وما زالت المملكة العربية السعودية، على الرغم من ملاءتها المالية، تقدم الإعفاءات والتنازلات والدعم للمستثمرين الأجانب في مقابل تحقيق أسس التنمية المستدامة في قطاعات الإنتاج؛ صنف الثائرون العرب، لتفاقية المملكة، وتوقيعها عقد امتياز مع شركة الزيت الأميركية ضمن (عقود الإذعان) لاستئثار الشركة الأميركية بحصة الأسد من عوائد النفط السعودي!؛ أثبتت السنوات اللاحقة أن حكمة الملك المؤسس كانت أكبر وأعمق من أطروحات عباقرة السياسة والاقتصاد في الدول العربية الثائرة؛ التنازل عن أرباح مرحلة التأسيس، التنقيب، التطوير، ونقل التقنية أسهم في حصول المملكة على موارد مالية مستدامة فتحت عليها أبواب الخير والرزق؛ بفضل الله وبركته. أنفقت المملكة مئات المليارات على تطوير البنية التحتية لمدينة الجبيل الصناعية، وشجعت المستثمر الأجنبي على الاستثمار فيها مقابل إيجارات رمزية لثلاثة عقود، وقدمت دعما غير مسبوق من خلال القروض الميسرة، الإعفاءات الجمركية والضريبية، وتوفير الغاز بأسعار رخيصة وثابتة بهدف تشجيع المستثمرين الأجانب على نقل التقنية، والتوسع في قطاع الصناعة، توفير الوظائف، ودعم الاقتصاد.
نجحت المملكة بمشاركة المستثمر الأجنبي في تشييد أضخم المجمعات المتخصصة في صناعة البتروكيماويات في العالم بالتزامها بقوانين التجارة العالمية، ووفائها بالعقود والالتزامات، وتطبيقها لأسس وقواعد الاستثمار الأجنبي وفق المصالح المتبادلة. توفير البيئة الحاضنة، والقوانين الضامنة للاستثمارات الأجنبية هو هدف الدول الغنية، ويفترض أن يكون من أولويات الدول العربية محدودة الموارد.
ما يحدث لشركة «المملكة القابضة» في مصر متوقع أن يحدث مثله في دول عربية أخرى، وهذا ما يؤثر سلبا في تدفق الاستثمارت بين دول المنطقة العربية. الحكومات المتعاقبة، مطالبة بضمان الاستثمارات، واحترام العقود والاتفاقيات بمعزل عن تصفية الحسابات السياسية المؤثرة سلبا في ثقة المستثمرين.
مسارعة الحكومات العربية في تأكيد نفاذ الاتفاقيات الدولية يجب أن يقابله تأكيد مماثل على المستوى الاستثماري؛ ومن باب أولى أن تسارع الحكومات العربية بطمأنة المستثمرين الأجانب، وتقديم الضمانات لهم، خصوصا أن مشكلات اللقتصاد كانت سبباً في إحداث المتغيرات السياسية الأخيرة في المنطقة العربية. حماية الاستثمارات الأجنبية تعني حماية التنمية الوطنية، وترسيخ أسس التنمية المستدامة، على المدى البعيد، بعكس ما يعتقده المعارضون.