الجزيرة – نواف المتعب
شدد مختصون على أهمية وضع جدل للأخطاء المرتبطة بتنفيذ المشاريع بالمملكة خصوصا المشاريع التنموية ومشاريع البنية التحتية وطالبوا بأهمية تدارك الأخطاء السابقة التي صاحبت العديد من المشاريع فتعثر الكثير منها وتأتي هذه المطالبة في ظل استضافة الرياض اليوم لمؤتمر دولي يبحث الآليات النموذجية لتنفيذ المشاريع واقترح المختصون إطلاق هيئة عليا للمشاريع تتبنى تنظيم وتوحيد آليات وأساليب إدارة المشاريع ودعم القطاعات الحكومية المختلفة للتغلب على المشاكل والمعوقات ورأى مدير المعهد العالمي لإدارة المشاريع المهندس تركي التركي أن إنشاء هذه الهيئة سينظم قطاع المشاريع ويجعل هناك جهة مختصة ومظلة رسمية تراقب مشاريع القطاع موضحاً أن قضية التعثر تعد أحد القضايا التي شغلت الجميع وخصوصاً المشاريع المتعلقة بالبنية التحتية وأضاف: أغلب المشاريع الحكومية تندرج تحت تصنيف المشاريع المتعثرة مبينًا أن المشروع الناجح يتحقق من خلال تنفيذه بحسب المواصفات والتصاميم المطلوبة مع مراعاة معايير الجودة ومدة التنفيذ والالتزام بالميزانية المحددة للمشروع فإذا حدث أي خلل في هذه الجوانب سيتعرض المشروع إلى التعثر ومن ثم الفشل.
ورأى التركي أن أبرز أسباب التعثر تتمثل في الاختيار السيء للمشروع وعدم مطابقته للخطة الإستراتيجية للدولة وعدم وضوح ودقة المتطلبات والمواصفات في بداية المشروع وعدم تكامل المشاريع مع بعضها والتخطيط السيئ للمشروع فلا يوجد جدول زمني أو هيكل تنظيمي والاهم في ذلك غياب المتابعة والمراقبة فلا يوجد تقارير ولا اجتماعات دورية للتأكد من سير المشروع بشكل صحيح.
وتابع التركي: من الأسباب أيضا عدم وجود كوادر مؤهلة لإدارة المشروع ومتابعته من طرف الجهات الحكومية بالإضافة إلى سوء اختيار بعض المقاولين ودعا التركي تطبيق منهجية موحدة لإدارة المشاريع الحكومية تضمن حد معين من التخطيط والتحكم والمتابعة مع تأهيل الكوادر الوطنية الكافية للمشاريع الحكومية وإدارتها كما طالب بضرورة إعادة النظر في تصنيف المقاولين وتنظيم عملهم وتطبيق عقود أكثر كفاءة وملاءمة للمشاريع الحكومية.
من جانبه قال المستشار الاقتصادي الدكتور سعيد المالكي إن تعثر المشروعات أصبح ظاهرة والسبب يعود إلى أن الأخطاء تتكرر ولا نستفيد من تجارب الماضي.
وأضاف: المشكلة باتت واضحة ولا تحتاج إلى المزيد من التحليل بل تحتاج إلى عقول نيرة تضع الحلول التي تضمن الاستفادة من الميزانية المباركة التي تتجاوز 200 مليار ريال تنفق هذا العام لمشاريع البنية التحتية. وأبان المالكي أن جذور المشكلة تعود إلى المراحل الأولى من المشروع وهي مرحلة التخطيط حيث يشوبها خلل سببه قصور التخطيط وغياب التنسيق بين جميع الجهات والقطاعات المتأثرة والمستفيدة من المشروع وهذا بدورة يرفع من المخاطرة وقد يؤدي إلى توقف المشروع في مرحلة التنفيذ وظهور مشاكل كان من الممكن تلافيها في مرحلة التخطيط وعند إجراء دراسة الجدوى وتجهيز ملف المناقصة والتصاميم، وفي هذه المرحلة يجب الحرص على إجراء دراسة المخاطر والتي يعتقد البعض أنها تكلفة إضافية في حين أن عدم القيام بها يتسبب في مضاعفة الخسائر لاحقا.
وأضاف المالكي: مرحلة الترسية تعتبر أخطر مراحل المشروع فالكثير من مشاكل التعثر يكون السبب فيها قيام الجهة المعنية بالترسية على الأقل سعرا وكما هو معروف فإن السعر الأقل والمثال واضح للجميع حين تم ترسية مئات المباني لأحد الشركات الرخيصة مما يجعلنا نعض أصابع الندم لأن تكلفة إكمال المشاريع ضاعفت من الخسائر وهذه كلها خسائر لاقتصادنا الوطني وتابع المالكي هناك مشكلة تكمن في ترسية مشاريع متعددة لمقاول واحد من ذوي التصنيف الممتاز دون النظر إلى التزاماته فإرساء مشاريع كثيرة على مقاول واحد حتما ستعيقه عند التنفيذ. والمصيبة الأكبر تتمثل تأخر الترسية والإجراءات الطويلة المرتبطة بذلك.
وأبان المالكي بأن تأخر مستخلصات المقاولين تعد أحد أهم أسباب التعثر كما أن تأخر وصعوبة الحصول على الموافقات المتعلقة بالحصول على تأشيرات العمالة قد يسبب التعثر ويجبر المقاول على البحث محليا واستخدام العمالة المتوفرة والمخالفة لأنظمة العمل. وذكر المالكي أن ضعف الرقابة والإشراف وكثرة مشاغل مدراء المشاريع وضعف التأهيل الفني والإداري جميعها عوامل تلعب دورا رئيسيا في تعثر المشاريع كما يجب أن لا نخلي ساحة جهات التمويل من المسؤولية حيث إن لهم إسهاما واضحا في حدوث التعثر والسبب يعود إلى نظرهم إلى الأمر من زاوية اقراضية بحته. ودعا المالكي إلى عمل منهجي لإدارة المشاريع في المملكة بشكل يحمي اقتصادنا الوطني ويحافظ على موارده فنجاح المشاريع وتجاوز التعثر مرهون برفع كفاءة وفاعلية إدارات المشاريع في الجهات الحكومية وتدريبهم وتثقيفهم وترخيصهم في إدارة المشاريع وعلى هيئة المهندسين السعوديين زمام المبادرة، تأسيس هيئة وطنية للمشاريع والمقاولين تهتم بقضاياهم ومطالباتهم، وتطبيق عقود فيدك والتخطيط الشامل للمشروعات ودراستها من قبل جميع ذوي العلاقة حتى لا تتعثر المشاريع الكبرى بسبب كابلات الكهرباء أو أنابيب تصريف المياه، وأن تتم الترسية على الأفضل وليس الأقل سعرا، كما يجب تسريع صرف مستخلصات المقاولين حيث إن التدفقات المالية هي أساس نجاحه في التنفيذ واقترح المالكي تأسيس بنك لتمويل المقاولين يتفهم احتياجاتهم ويتفهم مطالبهم وطبيعة المشاريع التي ينفذونها.
إلى ذلك أشار نائب رئيس اللجنة العقارية بغرفة الرياض المهندس محمد الخليل إلى أن كثرة المشاريع الحيوية وقلة المقاولين وقصر المدة المقررة لتسليم المشاريع تساهم في التعثر بشكل كبير. وأضاف بأنه وفي ظل الطفرة الكبيرة التي يشهدها القطاع الاقتصادي والعدد الكبير من المشاريع التي يعلن عن اعتماد إنشاءها ساهمت في خلق منافسة كبيرة لمسابقة الزمن للانتهاء من المشاريع وفقاً للوقت المحدد للتسليم، كذلك ارتفاع أسعار مواد البناء المتكرر وبدون سابق إنذار يؤثر على الخطط المرسومة من قبل المقاولين خصوصاً من ناحية التكلفة المادية للإنشاء. ورأى الخليل أن بعض المقاولين يعانون من قلة العمالة بالنظر إلى الحجم المشاريع مما يشكل عبئاً كبيراً عليهم داعيا إلى إعادة النظر في المدة الزمنية المقررة لإنشاء المشاريع بحيث تكون أطول وأيضاً على مراح وبذلك ستكون الفائدة أيضا على الميزانية المقررة لهذا المشروع مما يساهم في تقليل الثقل الذي يشكله الحجم الإجمالي لتكلفة المشروع . وأضاف بأنه لابد من تشجيع وجود شركات إدارات المشاريع لتكون الخطط المقررة أكثر احترافية وأيضاً تساهم هذه الشركات في توزيع الفرص لشركات المقاولات المتوسطة والصغيرة. من جهته أشار العقاري إبراهيم بن سعيدان إلى أن التعثر يعود إلى نقص التمويل وأيضاً نقص العمالة وظروف المقاول المنفذ للمشروع وأضاف: للأسف هناك مقاولون يبحث عن أكبر عدد من المشاريع وترتب على هذا الوضع ضغوطات مما يؤثر في عدم اكتمال المشروع في وقته المحدد مشيرا إلى أن كثرة المشاريع امتصت نسبة كبيرة من العمالة والمواد مما قاد إلى زيادة التكاليف سواء التنفيذية أو العمالة. ودعا ابن سعيدان إلى ضرورة التغلب على هذه الإشكالية من خلال تقديم استطلاع يبحث المشاكل التي يعاني منها المقاولون وإلى الحلول المقترحة لهذه الإشكاليات.
وأشار أيضاً إلى أن توفير جهات تمويلية لهذا النشاط أمر مهم يعزز من قوة القطاع خصوصاً وأن المملكة تشهد طفرة في بناء المشاريع الضخمة.
من جانبه قال العقاري إبراهيم بن علي عسيري إن ما يحدث من تعثر للمشاريع هو بسبب عدم وجود مطور حقيقي. وقال: أكبر تحدي في السوق السعودي هو عدم وجود مطور حقيقي وقال إن بعض المشاريع الكبرى ليست متعثرة كما يرى البعض وإنما تم تطويرها في المخططات الأولية لرفع قيمتها ومن ثم يتم تداول الأراضي الخام في بقية المساحات التابعة للمشاريع. وأوضح أنه لا بد من تطوير إدارة المشاريع لدي القطاع الخاص لتتمتع بالقدرة مستقبلا من التطوير المتكامل للمشاريع الصغيرة. كما أن الأجهزة الحكومية المعنية لابد لها أن تطور إجراءاتها خصوصاً وأن الوضع الحالي المطبق للتحقق من الملكية يأخذ فترة تصل إلى ثلاث سنوات ما بين الأمانات ووزارة العدل مما يتسبب في تعطيل المشاريع. كما أن البلديات لا زالت تتعامل مع هذه المشاريع كمعاملات وليست مشاريع إستراتيجية. إلى ذلك أشار المقاول عبدالله مبارك المسحل أن تعثر المشاريع عائد إلى أن بعض المشاريع يتم تسليمها لمقاولين غير مؤهلين وأضاف: الأسباب متعددة في التعثر ولكن من أبرزها أن وزارة المالية وللأسف لا تقوم بالدور اللازم في طرح هذه المشاريع بالشكل الذي يضمن حصولها على عروض من شركات أو مؤسسات للمقاولات تكون على قدر كبير من الكفاءة أو القدرة لتحمل إنشاء هذه المشاريع. أيضاً نجد أن شريحة كبيرة من المقاولين وللأسف غير أكفّاء لتحمل هذه المشاريع مما يتسبب بخسائر كبيرة من ناحية المدة الزمنية أو التكلفة المالية لإقامة المشروع.
وأوضح المسحل أنه للخروج من هذه الإشكالية لا بد من إيجاد مكاتب هندسية وإدارية تتمتع بالتأهيل الكافي في كل منطقة لضمان الخروج بالدراسات الصحيحة حول طرح هذه المشاريع لمقاولين لهم مزايا تمكنهم من أداء مراحل البناء بالشكل المثالي الذي يكفل عدم التعثر وفقاً للخطة المرسومة.
ونوه إلى أن الوضع الحالي نشاهد فيه أن بعض مؤسسات المقاولات تحصل على رخصة لبناء المشروع وفي نفس الوقت تجده يعمل على أكثر من مشروع في الوقت نفسه وهذا يعرض المشاريع كافة للتعثر. ودعا المسحل إلى ضرورة وضع آلية للمقاولين بحيث تكون متاحة أمام جميع الجهات الحكومية بالشكل الذي يتم إبراز المقاولات التي تتمتع بسجل نظيف وخالي من أي تعثر للمشاريع مما يؤدي إلى القضاء على بعض المقاولين الذين دخلوا القطاع وهم غير مؤهلين للدخول في مناقصات لبناء المشاريع.