قد يضحكك ما يسخر، وقد يبكيك..
وفي حين يجعلك تتقيأ، أو تزدرد ريقك في حنق..
مواقف الحياة، من إنسانها، تلهيك كثيراً عن اطمئنانك...
تزجك في مركبة أفكار كثيرة ومتشعبة،..
ترحل فيها... فتتجسد أمامك شخوصها:
الفاعلون خلق تفاصيلها..
الراسمون أشكالها، المختارون ألوانها..
أولئك الذين صنعوها لك فتقيأت، وحنقت، وضحكت، وبكيت، وقلقت..
ورحلت..
تعود من الرحلة تلك،
فتواجهك الحقائق بكل أشكالها، وأحجامها، ومحتوياتها، وآثارها..
قد تزيد مآقيك جداول فتضخ بلا روية..
وقد تمدك بموجات ضحك فتجن بلا ضبط..
وقد تحرض جأشك فتغضب بلا ربط..
وقد تتسع دوائر قلقك أكثر... فأكثر
ما من كلمة ساخرة إلا من أبجدية، بنيت حروفها من موقف فاعل..
شُكلت، وبُنيت، فأطلقها تعبر عن هذا الكامن، المتفجر في لحظة ما مردوداً باعثاً..
لكل الانفعالات بصفاتها وأشكالها..
وكثيراً ما أطلق على الساخرين أغبياء..,
والضاحكين بقوة مهابيل..،
والمنفعلين بلا وعي مجانين..
بيد أنَّ ما وراء الغباء.., والهبل.., والجنون.. تكمن بواعث سخرية، من ورائها مواقف متراكمة، صنعها الإنسان، وواجهها إنسان آخر..
قد تعبر من الغافلين حقاً بلا توقف عندها...
لكنها حين تعبر بالمدركين حقاً.. فإنهم وحدهم يعبرون عنها بالحنق، أو الضحك، أو الغضب، أو القلق...
والتقيؤ بمرارة..
هؤلاء وحدهم من يصدق فقط مع الحقائق الكامنة وراء كل ما يُسخِر فتضحك، ويَسخر فتغضب...
وأي من مواقف سخرية تزيد من جنونك أو تلهب قلقك، أو تشعل حنقك.
ولعل أصدق هذه المواقف ما تتجسد الآن على خارطة الأسماع ومدى رؤية الأبصار، في عالم اتسعت غاياته، فاتسعت خطواته، فتشعبت نوايا أفراده، وجماعاته، ومن ثم تعددت أبجديات السخرية وكوامنها، وتلونت أشكال التفاعل مع حقائقها.
وإلا من يصدق أن قتلى كما أعداد الذباب, تحصد أرواحهم بين غمضة عين وانتباهتها, كالذين لم تتوقف سطوة الفناء لأرواحهم نيفاً وشهوراً.. أمام شاشات الفضائيات..
والمقصلة لما تزل تنتصب لهم كميناً, في شوارع تنشد الحريات، وسعادة الإنسان..؟
الحقائق لما تزل كميناً للسخرية..
فمن سيتقيأ، ومن سيغضب، ومن سيضحك، ومن سيجن..؟
أما الكل فقلقون..