أبو مساعد مدير في إحدى الدوائر الحكومية، وأب لثلاث بنات، وولدين.. لا شيء مميز في مظهره سوى ثوبه القصير ولحيته الطويلة نسبياً ومسبحته التي لا تفارق يديه، يحرص أبو مساعد على أداء كافة الفروض في المسجد، ويفرض على بناته لبس النقاب، ويرفض السفر لغير البلاد المسلمة، يقضي وقت فراغه بمتابعة بعض القنوات والبرامج الدينية المباشرة, ويحرص كثيرا ً على المداخلات الهاتفية خصوصاً إذا كان موضوع الحلقة يناقش قضية قيادة المرأة أو القنوات الفضائية التي تحرض على السفور، ويمزج كلامه بالأحاديث والآيات حتى يبدو أكثر وقاراً وعلماً.
حسناً يبدو للوهلة الأولى أن أبا مساعد رجل مؤمن وصالح يمارس الإسلام ويمثله خير تمثيل ولكن الحكاية لم تنته بعد.. دعونا نكبر الصورة ونتحدث عن بعض التفاصيل الأخرى.. تتحدث أم مساعد بألم عن قسوته وجفافه بالتعامل معها كما تؤكد بحسرة أنها لم ترَ زوجها يبتسم منذ سنوات، وتشتكي الخادمة من أنها لم تستلم راتبها منذ ثلاثة أشهر، تقول ابنته أنه أجبرها على الزواج ضاربا ً برأيها عرض الحائط، وتقول الأخرى بأنه يفرق بمعاملته بين الأبناء والبنات بشكل واضح بل وقاسٍ، كما أن الموظفين يتعجبون من تأخره اليومي عن العمل، ورفضه التام لكل الأفكار الخلاقة التي من شأنها أن تطور من أداء الموظفين ومكانة المنشأة.
أبو مساعد مع الأسف الشديد ما هو إلى مثال وهمي.. لظاهرة التدين الظاهري، الذي يحرص ممارسوه على صلاة الجماعة وإعفاء اللحى وغيرها من الأحداث الطارئة ويعتقدون بعد ذلك أنهم أدوا واجبهم الديني كاملا غير منقوص، وينسون -على أهمية ذلك- أن قول المعروف خير من صدقة يتبعها أذى ويتجاهلون الأخلاق والقيم والمفاهيم التي دعا لها الإسلام مثل: احترام رأي الآخر وتقبل أفكاره وإن بدت غريبة وغير مألوفة بحب واحترام وحضارية، والدفاع عن الحق والعدل والحرية، والالتزام بالنظام والابتسامة والكلمة الطيبة والستر والعفو عن المسيء والرفق واللين بالنصح، والمشورة في العمل، ودعم الأفكار التي من شأنها رفع مكانة الإسلام والمسلمين، وإفشاء السلام واحترام المرأة وتقديرها والأخذ برأيها اقتداء بسيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم..
فأين نحن اليوم من ذلك؟!
يدخل البعض إلى المسجد لأداء الصلاة ومقابلة الله سبحانه وتعالى وهو مكفهر الوجه، أوقف سيارته بوسط الشارع معطلاً بذلك مصالح الناس وأعمالهم، وكأنه بذلك يمن على الله والناس أنه أدى الصلاة جماعة في المسجد فذنبه مغفور وخطأه مباح وكأن الله سبحانه بحاجته وليس هو من بحاجة رب العالمين وكأن الناس ستشاركه وتزاحمه في أجر الصلاة في المسجد ويتحدث بعد ذلك عن روعة عمر بن الخطاب وأبي بكر الصديق!
وتلتزم بعض النساء بالحجاب الشرعي وتحفظ أجزاء من القرآن وتصوم تطوعاً يومي الاثنين والخميس ولكنها تنتقد بقسوة كل ما تراه، وتحرق بالنميمة والغيبة والإشاعات الساخنة أسلاك الهاتف؟ وليس لها أي دور فاعل ومجدٍ في المنزل أو المجتمع سوى بترصد الأخبار والتقاطها عبر وكالة (يقولون) الشهيرة!!
إنني لا أعمم وللأمانة والإنصاف فهنالك من هو ملتزم بالدين شكلاً ومضموناً بل إن البعض منهم بدماثة أخلاقه ورقي مبادئه وسحر تواضعه جذب البعض للدخول في الإسلام والاقتداء بشخصيته وحسن خلقه.
إن الإسلام العظيم الذي درسناه وقرأناه في قصص النبي وصحابته رضوان الله عليهم قد دفع بالمسلمين يوماً لكي يحكموا العالم ويعلموا البشرية الحضارة وإذا أردنا أن تغير واقعنا فيجب أن نعود للإسلام وأن نتعلم من سيد الخلق ومعلمهم وقائدهم ونبيهم محمد صلى الله عليه وسلم المنهج الإسلامي فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.