ليس بالأمر السهل أن يكون شخص ما ممتهنًا لترويج وإنتاج الدسائس والإشاعات السيئة، فهي من الصفات والقدرات التي تحتاج إلى مهارات لا تتوفر إلا لعينة محدودة من الناس لديها مواصفات خاصة!
من ينوي الدخول إلى ذلك العالم يحتاج إلى استجلاب واستبطان قدر كبير من الدناءة لينفذ (دسيسته) الأولى والتي عليه أن ينجح في أدائها ليمد رجله اليسار مزهوًا بإنجازه بعد أن يجتاز عتبة بوابة هذا العالم المليء بالحقد والضغينة! وعند نجاحه في المهمة الأولى يمكن أن يصنف بعد ذلك بدرجة (دساس) مع مرتبة (القرف)، يحمل مؤهلات معترف بها، وله سوابق وخبرات يمكن أن يعتمد عليها وينتظره مستقبل واعد في هذا الطريق الذي يحفر الخنادق ويرص المطبات الاصطناعية في طريق الناجحين!
أي مجتمع مهما كان عدد سكانه لا يتوفر على عدد كبير من (الدساسين) لهذا فهم فئة نادرة يتوارثون مهنتهم ليس بالنقل والتعليم المباشر وإنما باللجوء إلى الطاقة الشريرة في النفس البشرية وتفجير محتوياتها وطمس معالم ومكنونات النفس الهادئة المطمئنة التي تأمر بالخير ومحبة الآخرين.
الدساس لديه مطبخ خاص من خلاله يستطيع أن يغير من طعم الأشياء ولونها ونكهتها ويخرجها إلى الآذان ثم القلوب المستهدفة كيفما يريد وليس كما هي الحقيقة، ولديه من الحسد للآخرين والغيرة ما يكفي مما يؤمن له الاشتعال الداخلي الذي يولد عنده الطاقة التي تمده بالقوة ليوجه أفكاره الشريرة ضد آخرين وهو لا يعجز في أن يجد وسيله تثير في نفسه الطمأنينة إلى أن ما يقوم به هو إما دفاعا عن النفس أو تشف بآخرين يعتقد أنهم يسدون الطريق أمامه بينما هو كما يرى نفسه أفضل منهم ولديه من الإمكانيات ما يجعله الأحق! مشكلته الأزلية أن (طموحاته أكبر من قدراته وإمكانياته) لذلك فهو لا ينجح بل يبقى قريبًا من الأرض التي تسير قدماه عليها، وأحيانًا يكون معدوم الإمكانيات والقدرات ومع ذلك يريد أن يحقق مثلما يحقق آخرون نجاحاتهم فهو يريد أن ينجح وبأية طريقة.
لا يمكن للدساس أن يزاول هذه المهنة إذا غسل أدرانه بماء المحبة والتسامح وسعى إلى حب الناس والاستفادة من تجاربهم ومباركة جهودهم ولو أحب بعض الدساسين لأنفسهم ما يحبون لغيرهم، لأراحو المجتمع منهم ومن أفعالهم! ولعل أفضل الطرق للرد على الدساسين ومقاومتهم هو الاستمرار في تحقيق المزيد من النجاحات فهذا ما يجعلهم يقرون بالهزيمة مما يجعلهم يرتدون إلى أنفسهم لومًا وسخطًا، وكما قيل: (النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله)!