في المقال الأسبق ذكرت أن لتوطين الوظائف ثمناً يتعلق بانخفاض معايير الجودة للسلع والخدمات وارتفاع أسعارها، واقترحت وسائل لمعالجة هذه الآثار. وفي المقال السابق أوضحتُ أن علاج البطالة ليس من أهداف وزارة العمل، ولا تتوفر لدى الوزارة صلاحيات قانونية في مستوى جسامة هذا التحدي.
وفي هذا المقال سأتناول بإيجاز ثلاثة اقتراحات تُساعد في علاج ظاهرة البطالة في المملكة.
أولاً: تُعد البطالة من أخطر الأمراض الاقتصادية والاجتماعية، وتأخذها الحكومات بجدية تصل إلى درجة وضعها في الترتيب الأول من حيث الأولوية، ولا تدخر السلطات التنظيمية جهداً في سبيل تسليح الحكومات بما تحتاجه من قوانين تدعم معركتها في هذا الشأن. ورغم استشراء البطالة وتعاظمها في المملكة إلا أن التعامل معها من قبل السلطتين التنفيذية والتنظيمية لا يزال بحاجة إلى المزيد والمزيد من التعزيز.
ويبدأ ذلك عبر إيكال الأمر إلى جهة أعلى من الوزارة، كالمجلس الاقتصادي الأعلى مثلاً، وتزويدها بالصلاحيات النظامية الكافية للتعامل مع هذا الموضوع بفعالية واقتدار.
ثانياً: للبطالة صلة وثيقة بالبيئة القانونية للأعمال، فهذه البيئة يجب أن تدعم تحفيز النمو الاقتصادي من أجل إيجاد الوظائف دون إغفال الحد الأدنى من التنظيم للجوانب التي تحتاج إلى حماية الحكومة، كالصحة والسلامة والبيئة. وإن طغيان البُعد التنظيمي على البُعد التحفيزي لن يخدم جهود مكافحة البطالة.
ثالثاً: يجب أن يؤخذ موضوع عمل المرأة بجدية وإخلاص بدلاً من تركه مجالاً للتنازع وتصفية الحسابات بين الأجنحة المتعارضة في المجتمع. فالحكومية معنية بتوفير فرص العمل الكريم لهن، ومعنية أيضاً بتوفير البيئة القانونية التي يستطيع القطاع الخاص من خلالها إيجاد المزيد من فرص العمل مدفوعاً فقط بحافز الربح وليس بالمسؤولية الاجتماعية، على أن تكون بيئة العمل منسجمة مع النظام العام والعادات والتقاليد دون إفراط خانق ولا تفريط مرفوض.
وعلى سبيل المثال فإن التطورات التقنية المتسارعة جعلت من ممارسة العمل من المنزل أمراً ممكناً للعديد من الأنشطة، وبنسب متصاعدة في الدول الغربية حتى بالنسبة للرجال، لأنه يوفر تكاليف النقل ويزيد شعور الموظف بالأمن ويقلل ازدحام الشوارع.
ولذا يجب التفكير بحلول إبداعية تسمح بالاستفادة من هذه التطورات في تشغيل النساء من المنزل. وتُعد أغلب المهن المرتبطة بالأنشطة التجارية والمالية نموذجية لهذا النوع من العمل، كالاستشارات القانونية والمالية والاقتصادية وأعمال المحاسبة والترجمة والطباعة. كما أن العمل على خطوط الإنتاج في المصانع يعد أيضاً نموذجياً لعمل المرأة في بيئة مستقلة عن الرجال ولاسيما أنها أكثر تحملاً للعمل الروتيني وأقل تكلفة.