على الرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على إعلان الدولة خصخصة العديد من الخدمات المقدمة للمواطنين وصدور قرارات من مجلس الوزراء بذلك، إلا أن ذلك لم يتجاوز التنظير في العديد من تلك الخدمات، وعلى الرغم من إعلان مجلس إدارة المؤسسة العامة للخطوط السعودية منذ أكثر من عقد من الزمن على توجه المؤسسة الرامي إلى خصخصة جميع خدمات النقل الجوي وفق جدول زمني محدد، إلا أننا نلاحظ بأن تلك الخصخصة لم تشمل سوى بعض الخدمات المساندة كالشحن والتغذية (catering)، أما بقية الخدمات الجوية المباشرة المقدمة للراكب سواء في مكاتب المبيعات والحجوزات أو في المطارات أو في داخل الطائرات، فيبدو أن الخدمات التي كانت تقدمها لنا خطوطنا السعودية قبل عشر سنوات لا تختلف كثيراً عن الخدمات التي تقدمها خطوطنا السعودية في الوقت الحاضر.
علماً بأن الظروف الحالية التي تعيشها المؤسسة ليست كالسابقة، فالمنافسة حامية بين شركات الطيران الخليجية لكسب أكبر قسط ممكن من حصة الخطوط السعودية في النقل الجوي سواء بين مطارات المنطقة أو مع مطارات العالم. أما خطوطنا السعودية، فعلى الرغم من توجيهات سمو رئيس مجلس إدارة المؤسسة بالعمل على خصخصة المؤسسة قبل سنين طويلة، إلا أن ما يلاحظه جميع الركاب هو استمرار تقديم الخدمات لهم بأسلوب لا يتفق مع أبسط مبادئ الخصخصة، ومن تتح له الفرصة بالسفر على إحدى شركات الطيران الخليجية سيجد الفرق الكبير بين الخدمات التي تقدمها تلك الشركات وبين الخدمات المقدمة من خطوطنا السعودية في كافة مراحل الرحلة، وذلك ابتداء من عمل الحجوزات وشراء التذاكر وانتهاءً بالخدمات المقدمة في صالة مطار وصول الرحلة.
إشكالية خطوطنا السعودية في ظني أنها أغفلت العنصر الأهم في نجاح الخصخصة، وهو موظفي المؤسسة العاملين في مواجهة ركاب السعودية في جميع مراحل الرحلة سواء في المكاتب أو الصالات أو الطائرات أو غيرها. وما من شك أنه وعلى الرغم من الجهود المبذولة، إلا أن غالبية (ولا أعمم) موظفي الخطوط السعودية لا يزالون بعيدين كل البعد عن تقديم الخدمة المطلوبة منهم للمسافرين وفق أسس تجارية، نعم إن كثيرًا من موظفي الخطوط السعودية لا يزال يتعامل مع الركاب والمسافرين من خلال كونه موظف حكومي. ولا تزال البيروقراطية المنتشرة في الأجهزة الحكومية هي المسيطرة على ذهن غالبية موظفي الخطوط السعودية، واللوم كل اللوم هنا على موظفي المؤسسة من شاغلي الدرجات الوسطى والعليا الذين يتقاضون مرتبات عليا تفوق ما يتقاضاه وكيل الوزارة، أما بالنسبة لصغار الموظفين والذين تم تعيينهم خلال السنوات القليلة الماضية بمرتبات قليلة، فلا نتوقع منهم الخدمة المرجوة، حيث إن لسان الواحد منهم يقول (سأعطيكم على قدر ما تعطونني)، واللوم كل اللوم هنا على الإدارة التنفيذية للخطوط السعودية والتي اعتقدت بأن الخصخصة تعني تعيين الموظف الأقل كلفة وليس الأميز خدمة.
لا أريد أن أطيل عليكم أعزائي القراء، فالحديث يطول ويطول عن الخصخصة التي نسمع عنها ولا نراها في خطوطنا السعودية، ويكفي أن كل منا قادر على طرح عشرات المواقف التي تعرض لها مع خطوطنا السعودية والتي تؤكد بأن الخصخصة في طريق والخدمات المقدمة للمسافرين في طريق آخر، ولكنني سأختم حديثي بالتأكيد على أن خطوطنا السعودية لم تنجح في تقديم خدماتها وفق أسس تجارية، ولم تنجح في تهيئة وتدريب موظفيها لتقديم خدماتها وفق أسس تنافسية، ولم تنجح في جلب مشرفين ومراقبين خبراء غير سعوديين وتكليفهم بتدريب موظفي المؤسسة في المكاتب والصالات والطائرات وتقويم ما يقدمونه من أعمال تجاه عملاء المؤسسة، كل ذلك جعل موظفي المؤسسة يعتقدون أنهم يقدمون الخدمة الأفضل، وكل ذلك جعلهم يعتقدون أنهم لن يتعرضوا للمساءلة عن تقصيرهم في خدمة عملاء السعودية.
ختاماً، لن تتحسن الخدمات التي يقدمها موظفو الخطوط السعودية للمسافرين ما لم يقتنع هؤلاء الموظفين بأن ما يتقاضونه شهرياً من راتب أو مكافآت مدفوعة من قبل هؤلاء المسافرين، وأن راتب الموظف عرضه للمساس في حال تقصيره في خدمتهم. ولن تتحسن الخدمات التي تقدمها الخطوط السعودية ما لم تنجح الهيئة العامة للطيران المدني في صنع نقل جوي داخلي قائم على المنافسة وليس على الاحتكار.